طريق الهداية - الحلقة 6 - الموت وآيات الموت في القرآن 2
صفحة 1 من اصل 1
طريق الهداية - الحلقة 6 - الموت وآيات الموت في القرآن 2
الحلقة السادسة
الموت وآيات الموت في القرآن الكريم
نبدأ بالسؤال الذي وردنا من كثير من المشاهدين وهو: هل يُحكم على إسلام الإنسان المحتضر من القرار الذي يأخذه إذا خُيّر بين أن يُقبض أو أن يبقى على قيد الحياة؟
السؤال مهم بالنسبة لكراهية الناس للموت وحُب لقاء الله أو كره لقاء الله، فلو أن أحداً يحتضر ولو افترضنا أنه يمكن أن نخيره فهل إجابته تنم عن إسلامه؟ نقول نعم لأنه ليس بمعنى إني كاره للموت أني كافر بالله أو بالموت لكن قد يكون العمل غير صالح لذا يخاف الإنسان من الموت ومن لقاء الله على هذه الحال. وقد سأل الرسول r أحد الصحابة وهو يحتضر كيف تجدك؟ قال أخاف لقاء الله ولكن أرجو أن يغفر لي فقال له الرسول r دُم على هذا فإنك بين الخوف والرجاء. والخوف لا يعني كما قلنا أني كاره لقاء الله لكن يجب أن أكون بين دفتي الخوف والرجاء لأن الموت آت لا محالة سواء كرهته أم أحببته فيجب أن يكون العبد المسلم المسلّم لله واثق من هذا. والقرآن يشرح هذه النقطة في مسألة تمني الموت لغير المسلم فقد قال تعالى في سورة الجمعة (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {6} وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ {7} قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {8}) فهناك من هو غير مسلم ويدّعي أنه في الجنة فإن كان صادقاً تمنّى الموت فيقول تعالى له (ولن يتمنونه أبداً) وقس على هذا كل من هم على شاكلته حتى من بعض المسلمين أنفسهم من يقول قلبي طاهر ولكنه لا يصلي ولا يصوم فنقول له تمنى الموت إن كنت صادقاً فيأتي التعقيب والتقرير من الله تعالى (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وهم لا يتمنونه ويرفضونه وحسب بل إنهم يفرون منه أيضاً (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {8}) فالمسألة فعل وعمل ويقين . ومستحيل على غير المسلم أن يتمنى الموت وقد اختلف أهل العلم في تمني المسلم للموت حتى الذي يعمل صالحاً لا يتمناه وذلك لأنه يرد أن يستزيد من عمله الصالح ومن الفلاح فالإنسان إن كان محسناً لا يتمنى الموت لعلّ الله تعالى يزيد في إحسانه وإن كان مسيئاً لا يتمنى الموت لعلّ الله أن يمدّ في عمره ويعطيه فسحة من الوقت ليعود إلى الله ويتوب إليه. وهناك آداب وواجبات على الإنسان المحتضر وعلى الذين يحضرون الوفاة سوف نتطرق إليها إن شاء الله في نهاية حلقات الموت ونتحدث عنها بإسهاب. فمن واجب المحتضر أن يُكثر من ذكر الله تعالى ويتوب ويتذرع بالصبر وعلينا أن نذكر أن الإحتضار إنما هو فسحة من الوقت وفرصة لكسب الحسنات لأن الله تعالى كما ورد في الحديث الشريف يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي (حتى إذا بلغت الحلقوم) أو (إذا بلغت التراقي). ومثال على ذلك أن فرعون لمّا أسلم لم يقبل الله تعالى إسلامه لأنه أسلم في وقت لا ينفعه ذلك لأنه من دواعي الإسلام الصحيح أن يُؤيّد بالإيمان الصحيح وهو العمل لكن فرعون أسلم عندما أدركه الغرق وحتى أنه لم ينطق بالشهادة وإنما قال (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91} سورة يونس) لم يقل آمنت بالله ولكنه قال ما جاء في الآية وكأنه منافق في إسلامه هذا ويريد أن يُرضي بني إسرائيل لعلهم ينقذونه لمن الله تعالى وهو أعلم بما في نفس فرعون رد عليه في قوله تعالى (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91}) لأن الإسلام له حقيقة والإيمان حقيقة، وقد لقي الرسول r أرجلاً فسأله كيف أصبحت؟ قال أصبحت مؤمناً حقاً فسأله الرسول r ما حقيقة إيمانك؟ قال عزفت نفسي عن الدنيا فتساوى عندي ذهبها ومدرها فقل له الرسول r عرفت فالزم.
واختيار المحتضر يعتمد على عمله في الدنيا والمسلم لا يكون خائفاً من لقاء الله لأن الموت والقبر أول منازل الآخرة فإن خُيّر المسلم المحتضر وجاز له هذا فمن تسليمه يجب أن يقول على مراد الله تعالى لأنه لو رجعنا إلى قصة موسى وآدم في الحاقات السابقة لتبيّن لنا أن الإنسان وإن كان مسلماً لا بد أن يخشى ويهاب الموت لكن عليه أن يكون مستعداً لهذا اليوم وهو الأجل المسمّى للإنسان.
ويسأل المقدّم المسلم يحب لقاء الله فهل نرى الله تعالى في الآخرة؟ والجواب أنه توجد أحاديث كثيرة عن الرسول r (من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) ولو نظرنا إلى الموضوع بيقين فالتمني وعدم التمني ليس اختيارياً ولا يحسم قضية فاللقاء محتوم لن يفرّ منه أي من المخلوقات فطالما العقل يحسم القضية فالمسألة أن نخرج من تمني وعدم تمني إلى حب لقاء الله وعجبت لمن يناقش عندما شرحت هذا الحديث وقلت أنه علينا أن نجعل حب الله تدريب للنفس كيف؟ في الصلاة نجعلها صلة بالله تعالى ومناجاة ونوقّعها في الصلاة بتدريب النفس عند السجود وعند ذكر أدعية الرسول r ومناجاة الله تعالى، وقد قال الإمام مالك: إذا أردت أن أناجي ربي دخلت في الصلاة وإذا أردت أن يناجيني ربي قرأت القرآن. فهو على حالتين إما يتلقى عن ربه بافعل ولا تفعل وإما يناجي ربه بالصلاة والدعاء وكأنه يدرّب نفسه على لقاء الله تعالى. ولقاء الله تعالى في الآخرة حساب مصداقاً للحديث (اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب بلا عمل) فلندرّب أنفسنا على لقاء الله من الآن بحب الصلاة والصيام وحسن الخلق وفي المعاملات مع خلق الله وفي الخشوع في الصلاة وغيرها من العبادات.
ثم سؤال هل نرى الله في الآخرة؟ سُئل الرسول r فقال هل تُضارون من رؤيتكم للشمس والقمر؟ قالوا لا قال هكذا سترون الله رب العالمين وفي قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) يؤكد هذا الأمر بنصّ القرآن. وفي حادثة المعراج لما سُئل الرسول وفي حادثة المعراج لما سُئل الرسول إن كان رأى ربه فقال نور أنّى أراه، ولنعلم أن الله تعالى ليس كمثله شيء فلا نتخيل كيف نراه.
يسأل المقدم عن مظاهر الخلق الأربعة التي تحدث عنها الدكتور في حلقة سابقة وهي خلق آدم وخلق حواء وخلق عيسى وخلق باقي الخلق ونريد أن نعرف كيفية موتهم؟ الجواب أنه وإن كانت طرق الخلق مختلفة في الحالات الأربعة لكن الموت واحد لأن الموت هو نقض الحياة ولا فرق بين موت أي منهم والآخر إلا في حالة عيسى u لأنه لم يمت ولكن توفّاه الله تعالى ورفعه إليه (إني متوفيك ورافعك إليّ) لكنه عند الموت سيموت مثل باقي الخلق وقد ذكرنا سابقاً أن الموت حتمي على كل الخلائق حتى ملك الموت سيموت والموت نفسه سيُذبح على الصراط ليفهم الخلق أن الموت مترتب على كل مخلوقات الله تعالى.
نعود لإستكمال الحديث عن آيات الموت في سورة الواقعة التي بدأنا بها الحلقة الماضية (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ {88} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ {89} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {90} فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {91} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ {92}) نأحذ ملمح هذه الآيات وماذا نفهم من قوله تعالى (ترجعونها إن كنتم صادقين) ثم يخبرنا تعالى عن أحوال ثلاثة في المتوفّي وبعد أن أثبت لهم تعالى عجزهم وبعد التحدي لا يكون إلا الموت الذي سيقسم الناس بعده إلى ثلاثة أحوال وكذلك في سورة القيامة (كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق * فلا صدّق ولا صلّى * ولكن كذّب وتولى) كلها تدل على أنه المتوفي لن ينفعه ساعة موته إلا عمله صلّى أو لم يصلّي تصدّق أو لم يتصدّق. وهذه الآيات تحتاج لوقفة مع النفس وإلى أن نحمد الله تعالى أن أبقانا على قيد الحياة حتى نفطن أنه بمدّ الأجل يستوجب الحمد أولاً والحمد ثانياً ثم التوبة والإنابة إلى الله تعالى حتى يتوقّع فيها (فأما وأما ) فنقترب من اثنين ونبتعد عن الثالثة ونعمل عكس (فلا صدّق ولا صلّى).
والناس بعد الموت أحد أصناف ثلاث فهم إما أن يكونوا من المقرّبين أي السابقين الذين كلنوا يفعلون كل ما أمرهم الله تعالى به ورسوله فهؤلاء جزاؤهم (روح وريحان وجنة نعيم) وهذه الجملة تشعرنا بأنهم مرحلتين (روح وريحان) ساعة الموت وفي القبر و(جنة نعيم) في الآخرة لأن الميت إذا كان من المقربين يأتيه قبل أن يأتيه مكفّن الدنيا يأتيه مكفّن من الجنة بحنوط من الجنة وكفن من الجنة وديباج من الجنة وكأن القبر فعلاً أول منازل الآخرة فكأننا بالله تعالى يوقّع لنا مُراده في هذه الآية(فروح وريحان وجنة نعيم) حتى نتّبع ما جاء فيها فنحن نريد أن نكون من هؤلاء المقربين وكم سمعنا عن حالات أخبر عنها الناس أنهم عند دفن الميت شمّوا رائحة المسك فنقول في مثل هذه الحالات نحسبه كذلك ولا نزكّيه على الله وهذا فضل من الله تعالى. والغريب في هذه الآيات أنه تعالى لمّا ذكر المقربين والمكذبين الضالين ذكر التفصيل أما لما ذكر أصحاب اليمين لم يذكر أي تفصيل وإنما قال تعالى (فسلام لك من أصحاب اليمين) ويترك لنا أن نبحث عما يكون عليه أصحاب اليمين كما في قوله تعالى (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه) ولا يمكن أن نصل إلى توصيفهم ففي الجنة كما قال الرسول r ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي الكلام عن المقربين أعطانل تعالى الأوصاف حتى إذا كنا من أصحاب اليمين نحاول أن نصل إلى نعيم المقربين وهذا في القرآن يعطي الألفاظ التي تدعو للعمل لنصل إلى نعيم كما جاء في قوله تعالى (ففروا إلى الله) (وسارعوا إلو مغفرة من ربكم) (فاستبقوا الخيرات) (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) ولهذا فالدرجات في الآخرة متفاوتة وتحتاج إلى سرعة وتسابق. وفي حديث للرسول r أن سبعون ألف من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب فقال عكاشة إسأل الله أن أكون منهم فقال الرسول r أنتم منهم يا عكاشة فقام واحد من الصحابة فقال وأنا يا رسول الله فقال الرسول r أنه لم يعد هناك مكان. فعلينا إذن أن نرتقي لمرتبة السابقين (ثلو من الأولين وقليل من الآخرين) والسابقين هم المتقدمين في القرب من الرسول r والآخِرين هم المتأخرون في الخلق ونحن منهم فالصحابة أولاً ثم التابعين ثم المتأخرين. ونعيم المقربين وأصحاب اليمين يجعلنا ننهض ونبعد عن المكذبين الضالين لأنه كما جاء في توصيف النعيم للمقربين (فروح وريحان وجنة نعيم) جاء التوصيف للمكذبين الضالين (فنزل من حميم وتصلية جحيم) ونزل من حميم مقابلة لروح وريحان وهي في الموت والقبر وتصلية جحيم وي في الآخرة مقابلة لجنة نعيم.
ما هو حق اليقين الذي ورد ذكره في آيات سورة الواقعة (إن هذا لهو حق اليقين) ؟
هذه الآية تذكرنا بمرحلتين في الدنيا تحدث عنهما القرآن في سورة التكاثر (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}) فهناك علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين (ثم لتألن يومئذ عن النعيم). وقد ضرب لنا العلماء مثلاً فقالوا لو كان هناك إناء فيه عسل والرسول r أخبر الناس أن ف الإناء عسل بدون أن يكون ظاهراً لهم الإناء فنصف الحاضرين سيقولون صدقنا ما قاله الرسول r (وقد سُمي أبو بكر بالصديق لأنه كان يصدق الرسول r بما يقول طالما أنه قاله كما حدث عندما أخبره كفار قريش عما يقوله الرسول r في الإسراء والمعراج فقال إن كان قالها فقد صدق) فهؤلاء الذين صدقوا بمجرد إخبار الرسول r لهم علموا علم اليقين، ثم إن قسماً من الحاضرين قالوا نريد أن نرى العسل في الإناء فهؤلاء صدقوا عين اليقين والباقي قالوا لن نصدق إلا إذا ذقنا العسل فهؤلاء علمهم حق اليقين.
وعلم اليقين هو أقل درجات الإدراك وأعلى درجات الإيمان (يؤمنون بالغيب)
وعين اليقين هي مرحلة وسط صاحبها يحب أن ينضم إلى أصحاي علم اليقين حتى لا يكون من أصحاب حق اليقين.
أما حق اليقين فهو أعلى درجات الإدراك وأقلّ درجات الإيمان وصاحبها في النار فقد كذّب وكذّب حتى صار من المكذبين الضالين لا يصدقون بالنار إلا إذا أصبح فيها فيقول كان محمد على حق وعندها لا ينفع التصديق ولا الندم.
لمّا نقابل التوصيفات مع التوقيعات نصل إلى حقيقة مراد الله تعالى وأعلى الدرجات (لترون الجحيم) أن نؤمن بها دون أن نراها. وقد روي أن حنظلة أحد صحابة رسول الله r قابل أبا بكر فقال له نفق حنظلة قال الصديق لماذا؟ قال نكون عند رسول الله نسمعه يتكلم فنرى الجنة رأي العين ونرى النار رأي العين وإذا خرجنا من عنده عاسفنا الأولاد وذهبنا إلى الأسواق، فقال أبو بكر وأنا كذلك فذهبوا إلى الرسول r فأخبروه فقال لهم الرسول r لو أنكم تداومون على ما أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة على فُرشكم وفي الطرقات لكنها ساعة وساعة، ساعة وساعة ساعة وساعة.والمقصود بها ساعة للعمل وساعة للعبادة لا كما فهمها الناس فيقولون ساعة لقلبك وساعة لربك! فالرسول r يدعونا للعمل ولا يريدنا أن نقعد في المسجد 24 ساعة بل يكون وقتنا ساعة للسعي على الرزق وساعة للعبادة وقد ذمّ رسول الله r الرجل الذي كان ينام في المسجد ولا يبارحه عندما سأل الصحابة من يصرف عليه قالوا أخاه فقال الرسول r أخاه أفضل منه في رواية وفي رواية أخرى قالوا كلنا فقال كلكم أفضل منه.
فأما إن كان من المقربين الذين آمنوا بمجرد علم اليقين فروح وريحان وجنة نعيم. أما المكذبين الضالين الذين لم يصدقوا فكان لهم حق اليقين وهو دخول النار والعياذ بالله. فهنيئاً لمن آمن بعلم اليقين وعلينا أن نتدارك أنفسنا إذا كنا في عين اليقين حتى نلحق بأصحاب علم اليقين ولا نكون من أصحاب حق اليقين.
من هم المقربين والسابقين وأصحاب اليمين؟
في الحقيقة الترتيب في الدنيا: علم – عين – حق أما في الآخرة ستكون حق – عين – علم وهذا هو الفرق بين التوصيف والتوقيع والقرآن ذكر ثلاث صنوف. فالمقربين والسبقين كأنهم أعلى درجة من أصحاب اليمين (فأما من أوتي كتابه بيمينه) (وأما من أوتي كتابه بشماله) كأنه نادم على ما قدّم في الدنيا. والدرات لا تنتهي ففي الجنة درجات كثيرة لا تخطر على بال والبون شاسع بين أهل الصنف الواحد فالكل يُجمع أن الصحابة الذين عاصروا الرسول r أنهم من السابقين أو المقربين نحسبهم كذلك، وفي حديث للرسول r في سنده كلام ولكن نورده لنوضح الفرق في الدرجات بين أهل الصنف الواحد، يقول الحديث: أول من يتناول كتابه من أمتي بيمينه عمر بن الخطاب فقال الحاضرون وأبو بكر؟ فيقول الرسول r هيهات هيهات هيهات، عندما يكون عمر يتناول كتابه يكون أبو بكر قد زُفّ إلى الجنة على رأس سبعين ألف من الأمة في الجنة بغير حساب. فإن كان هذا الفرق بين عمر وأبو بكر وهما من صحابة رسول الله r المبشّران بالجنة فما نقول نحن؟ (هيهات تعني بَعُد الفرق بين الإثنين). وحتى لا ينثير جدلاً حول (بغير حساب) نقول أنها لا تعني بغير حساب ولكن يقلّ حسابهم ونحن نسوق الأحاديث لنثبت أن البون شاسع بين أهل الصنف الواحد وكل إنسان يقوم بعمله في الدنيا سيجده فب الآخرة إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشرّ ومن عدالة الله تعالى أن الإنسان يحكم على نفسه بنفسه فتشهد أعماله وجوارحه وكتابه بكل عمله مصداقاً لقوله تعالى في سورة الإسراء (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقه منشوراً * إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).
وورد في الحديث الشريف : "لن يدخل أحدكم الجنة إلا وهو يعلم أنها أولى به من النار ولن يدخل أحدكم النار إلا وهو يعلم أنها أولى به من الجنة" فالذي يدخل الجنة يدخلها وهو واثق أن هذا هو الحق وحتى لو لم يكن يعلم أنها أولى به سيقول إنها كذلك لكن كيف يكون في النار ويعلم أنها أولى به من الجنة؟ هذا يعلمه من كتابه (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) ولذلك صدق تعالى في قوله (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه) لأنه يوم القيامة لن يقرأ إلا حقاً وما في كتابه من أعماله التي عمل بها في الدنيا، فإن كان هذا الكتاب جاء نتيجة أعماله الصالحة في الدنيا أخذه بيمينه (إني ظننت أني ملاق حسابيه) . فهلاّ سارعنا للصلوات وحبونا للضف الأول في المساجد ووقفنا بين يدي الله تعالى بخضوع وصمنا صياماً صحيحاً وحججنا حجاً مبروراً وهلاّ قدمنا من النوافل ما تُجبر به الفروض وإلا ندمنا حيث لا ينفع الندم كما قال ابراهيم u (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). ويجب علينا أن نعلم أن بين المقربين وأصحاب اليمين فرق شاسع حتى بين المقربين والسابقين وبين كل فئة وفئة درجات وفروقات كبيرة فليس كل المقربين مثل بعض كما في حديث عمر وأبو بكر، ومن الفروقات بينهما أن أبا بكر ورد ذكره في القرآن (إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصابه لا تحزن إن الله معنا) وقد كتب الله تعالى لأبي بكر أن يكون صاحب الرسول r في هجرته إلى المدينة وليس عمر أو غيره من الصحابة، وكذلك ورد ذكر أبي بكر في القرآن في خواتيم سورة الليل (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لآحد عنده من نعمة تُجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) وهذا من باب الدرجات. حتى بالنسبة للصلاة فكل المسلمون يصلون لكن ليست صلاة واحدة من ناحية الأجر فالإتقان وكثرة الخشوع وكثرة العمل وسرعة الإسراع (سارعوا) كلها تزيد الدرجات. وعلينا كمسلمين أن نتواصى فيما بيننا كما جاء في سورة العصر (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فلماذا لا نوقظ بعضنا لأداء صلاة الفجر لكن ترانا نوقظ بعضنا عند السفر أو للذهاب في رحلة أو أي عمل دنيوي آخر؟ وغاب عن بالنا أن الله تعالى كتب الأجر الحسن لمن بدأ يومه بصلاة الصبح. وعلينا أن نعلم أن عاقبة غير المسلم (فلا صدّق ولا صلّى) فلماذا خصّ الصلاة بالذكر دون سائر العبادات؟ لأن أول يقين في العمل هو التصديق بكتاب الله (الصلاة) والفرق بين الرجل والكفر ترك الصلاة كما جاء في الحديث. لم يختر الله تعالى بعد عدم التصديق إلا الصلاة وقال بعدها (ولكن كذّب وتولى) فمن تولى عن الصلاة وأعرض عنها تولّى عن الخير كله وأعرض عن الإسلام فالمسلم الذي لا يقيم الصلاة توصيفه (ولكن كذّب وتولى). وطالما أننا نعلم أن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر علينا أن نعمل صالحاً ونستعد للموت في أية لحظة.
ثم جاء قوله تعالى (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى). أولى من ولِيَ مع أفعل التفضيل بمعنى قرُب وأولى هي أفعل ولِيَ بمعنى زيادة الدعاء والثبور . فإن كنت قربت من النار فسيكون الدعاء عليك أن تقرب أكثر وتتحول الآية إلى دعاء على الكافر بالهلاك بمعنى هلاكاً يُبعدك، ثم يكرر (أولى لك فأولى) وهذا عكس ما جاء في الحديث القدسي (إذا تقرب عبدي مني شبراً تقربت منه ذراعا) وقد تكرر الدعاء مرتين حتى يتبين أن الجزاء من جنس العمل وكما أن الله تعالى يتقرب من العبد أكثر مما يتقرب العبد منه كذلك يبتعد عن الكافر أمثر مما ابتعد الكافر عنه. (فلا صدّق ولا صلّى ولكن كذب وتولى) هذه نتيجة ونتيجة النتيجة (أولى لك فأولى) أي قرباً لك من النار بأهمالك وهذا زيادة في الدعاء والثبور والهلاك وتدل على استحقاقه لهذا العذاب.
وطالما أننا علمنا أن الروح لا يمكن أن تعود إلى البدن بعد أن وصلت الحلقوم أو بلغت التراقي ففي هذه اللحظة التي تفارق الروح فيها الجسد وتتحول يا ابن آدم من إنسان بقوام حياة الروح وقد شرّف الله تعالى آدم بأربعة تشريفات كما ذكرنا في الحلقات السابقة (خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وشرع له التوبة) فعليك يا ابن آدم أن تسعى في الخير وأن تهاجر إلى الله ورسوله هجرة زمانية أو مكتنية لأن كل هذا سيظهر في لحظات خروج الروح لتصبح جثة هامدة لن يبقى لك بعدها إلا عملك في الدنيا.
ويسأل المقدم عن دلالة الآية (والتفت الساق بالساق* إلى ربك يومئذ المساق) وهل إلتفاف الساق بالساق تدل على الكافر الذي يصيبه الهلع أم هي للمسلم والمؤمن؟
(والتفت الساق بالساق) هو من نوع المجاز وهي تدل على شدة الكرب والهول بالنسبة للكافر. والخلاف القائم بين المفسرين حول من المقصود بهذه الآية لا وجود له لأن الآية تقول (فلا صدّق ولا صلّى) ومنها نستدل على أن الكلام للكافر. وقد قال بعض المفسرين في هذه الآية أنها تدل على آخر ساعة في الدنيا تلتف مع أول ساعة في الآخرة وهذا أيضاً لا صحة له لأنه كما تقدم الآية بعدها فسرتها (فلا صدق ولا صلى) فالذي يشتد عليه الكرب هو بالتأكيد الكافر والتشكير عن الساق يدل عادة على الشدة والكرب أو على شيء مهم. وقلنا سابقاً أن لحظة خروج الروح (حتى إذا بلغت التراقي) لا تخيف إلا غير المسلم وغير المؤمن.
يسأل المقدم عن حديثين للرسول r الأول: "صحابتي كنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) والثاني مفاده أن أجر الواحد من المتأخرين كأجر ستين من صحابته. فما صحة هذه الأحاديث؟
في نفس الباب أحاديث صحيحة منها "سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" وحديث "من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" والقضية الأساسية من هذه الأحاديث أننا نريد أن نتأسّى بالرسول r وكثيراً ما نجد عجباً في وقت الحج ونرى ونسمع الفتاوى ومن الناس من يُحدث في الحج أموراً ما أنزل الله بها من سلطان وكل تابع لمذهبه لكن عند الإختلاف نعود فنحتكم لما جاء في القرآن (ولله على الناس حج البيت) (ولأتموا الحج والعمرة لله) والسنة (الحج فرض) فلماذا إذن نختلف وكل يقول قال ابن تيمية وقال الإمام مالك والشافعي ولا نقول قال رسول الله r ونتأسى به ونعمل بقوله (خذوا عني مناسككم) وقوله r (صلّوا كما رأيتموني أُصلي) لكن للأسف أخذ الناس يسعون للرخص حتى أصبحت الرخصة هي الأساس والأساس هو الرخصة. والرخصة هي تخفيف لأصحاب الأعذار فهل أصبحنا جميعاً من أهل الأعذار؟ وهذه دعوة للإقتداء برسول الله r.
"كان رسول الله r يمشي بين القبور مع أصجابه فقال: اشتقت لأحبابي فقالوا أولسنا أحبابك يا رسول اله قال أنتم أصحابي قالوا من أحبابك؟ قال قوم يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني" هذه درجة أعلى فكأن رؤية رسول الله r ومصاحبته هي التي دفعت الصحابة إلى الإيمان به لذلك على كل المسلمين أن ينتبهوا إلى نقطة هامة وهي: هل أسلمنا بإرادتنا؟ او لأننا خلقنا من أبوين مسلمين؟ وهناك فرق بين من أسلم على عهد رسول الله r بعد أن شاهده وسمع عنه وبين من أسلم عن اقتناع، ولذا على كل أبوين بمجرد أن يصبح أبناؤهم في سن البلوغ أن يعلموهم أمور الدين ويطلبوا منهم أن ينطقوا بالشهادتين ويعلمونهم كل أمور الدين وعن التقوى والإيمان والإحسان والعدل وحسن الخلق والمعاملة ونعلمهم أن خير من نقتدي به هو رسول الله r لأنه هو القدوة كما قال تعالى في كتابه العزيز (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) ولا بأس إن اقتدى أحدنا بعد الرسول بشيخه أو بإمام من أئمة الأمة وإنما الأصل أن أقتدي برسول الله r.
يسأل المقدم سؤالاً تكرر على البرنامج وهو ما دلالة قوله تعالى (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)؟
هذه تحتاج إلى وقفة. وهذا الكلام جاء على لسان البشر وهذا اعتراف بما قرره الله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) التي جاءت في سورة البقرة قبل آية خلق آدم واستخلافه في الأرض وقلنا سابقاً قبل أن جعل الله تعالى آدم خليفة في الأرض قرر هذه الكلام وهو يعني أن الناس كانوا أمواتاً في عالم الذر فأحياهم الله تعالى بالخلق ثم يميتهم الميتة العادية ثم يحييهم ثانية بالبعث يوم القيامة، فكأن المرحلة السابقة للخلق كانت موتاً على أني أريد أن أقف عند ملمح الروح في القرآن. وقلنا أن اقرآن سُمي روحاً (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) وكأنها بما يحييكم، وقلنا أن القرآن سمي روحاً لأنه يعمل حياة جديدية للمسلم وكأن المسلم القارئ للقرآن له حياتان حياة بقوام الحياة وحياة بالقرآن أي المنهج الذي هو دستور ومنهج حياة كامل. فلو أن الله تعالى قال لنا صلّوا وحجوا ولم يبيّن لنا الرسول r كيف فكيف نصلي ونحج؟ إذن هذا معنى (دعاكم لما يحييكم). وكذلك قلنا أن القرآن سمي روحاً بدلالة قوله تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) أي القرآن وقد سمي الوحي كله روحاً والقرآن وحده روحاً وبه يحيا الإنسان في الحقيقة حياة المسلم القارئ للقرآن المتّبع له كمنهج حياة تختلف حياته عن المسلم الذي لا يقرأ القرآن ولا يتّبع منهجه ولرُب قارئ للقرآن القرآن يلعنه لأنه لا يطبقه ولا يعمل به. وأصعب موقف يوم القيامة أن يأتي المسلم والقرآن يلعنه (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) ولا يجب أن يكون عمل المسلم يخالف قوله. ويجب على المسلم أن يكون إماماً لغيره وبعمله يكون قدوة ونبراساً لغيره من المسلمين وكم سمعنا عن أناس أسلموا والتزموا بعدما رأوا عمل مسلم آخر وتأثروا بنهجه، وكم سمعنا في قصص الفتوحات الإسلامية عن أقوام دخلوا في الإسلام بعدما أعجبوا بأخلاق المسلمين الفاتحين.
وختمت الحلقة بدعاء من الدكتور هداية للمسلمين جميعاً.
بُثت الحلقة بتاريخ 28/3/2004م
منقول من موقع اسلاميات
http://www.islamiyyat.com/
الموت وآيات الموت في القرآن الكريم
نبدأ بالسؤال الذي وردنا من كثير من المشاهدين وهو: هل يُحكم على إسلام الإنسان المحتضر من القرار الذي يأخذه إذا خُيّر بين أن يُقبض أو أن يبقى على قيد الحياة؟
السؤال مهم بالنسبة لكراهية الناس للموت وحُب لقاء الله أو كره لقاء الله، فلو أن أحداً يحتضر ولو افترضنا أنه يمكن أن نخيره فهل إجابته تنم عن إسلامه؟ نقول نعم لأنه ليس بمعنى إني كاره للموت أني كافر بالله أو بالموت لكن قد يكون العمل غير صالح لذا يخاف الإنسان من الموت ومن لقاء الله على هذه الحال. وقد سأل الرسول r أحد الصحابة وهو يحتضر كيف تجدك؟ قال أخاف لقاء الله ولكن أرجو أن يغفر لي فقال له الرسول r دُم على هذا فإنك بين الخوف والرجاء. والخوف لا يعني كما قلنا أني كاره لقاء الله لكن يجب أن أكون بين دفتي الخوف والرجاء لأن الموت آت لا محالة سواء كرهته أم أحببته فيجب أن يكون العبد المسلم المسلّم لله واثق من هذا. والقرآن يشرح هذه النقطة في مسألة تمني الموت لغير المسلم فقد قال تعالى في سورة الجمعة (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {6} وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ {7} قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {8}) فهناك من هو غير مسلم ويدّعي أنه في الجنة فإن كان صادقاً تمنّى الموت فيقول تعالى له (ولن يتمنونه أبداً) وقس على هذا كل من هم على شاكلته حتى من بعض المسلمين أنفسهم من يقول قلبي طاهر ولكنه لا يصلي ولا يصوم فنقول له تمنى الموت إن كنت صادقاً فيأتي التعقيب والتقرير من الله تعالى (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وهم لا يتمنونه ويرفضونه وحسب بل إنهم يفرون منه أيضاً (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {8}) فالمسألة فعل وعمل ويقين . ومستحيل على غير المسلم أن يتمنى الموت وقد اختلف أهل العلم في تمني المسلم للموت حتى الذي يعمل صالحاً لا يتمناه وذلك لأنه يرد أن يستزيد من عمله الصالح ومن الفلاح فالإنسان إن كان محسناً لا يتمنى الموت لعلّ الله تعالى يزيد في إحسانه وإن كان مسيئاً لا يتمنى الموت لعلّ الله أن يمدّ في عمره ويعطيه فسحة من الوقت ليعود إلى الله ويتوب إليه. وهناك آداب وواجبات على الإنسان المحتضر وعلى الذين يحضرون الوفاة سوف نتطرق إليها إن شاء الله في نهاية حلقات الموت ونتحدث عنها بإسهاب. فمن واجب المحتضر أن يُكثر من ذكر الله تعالى ويتوب ويتذرع بالصبر وعلينا أن نذكر أن الإحتضار إنما هو فسحة من الوقت وفرصة لكسب الحسنات لأن الله تعالى كما ورد في الحديث الشريف يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي (حتى إذا بلغت الحلقوم) أو (إذا بلغت التراقي). ومثال على ذلك أن فرعون لمّا أسلم لم يقبل الله تعالى إسلامه لأنه أسلم في وقت لا ينفعه ذلك لأنه من دواعي الإسلام الصحيح أن يُؤيّد بالإيمان الصحيح وهو العمل لكن فرعون أسلم عندما أدركه الغرق وحتى أنه لم ينطق بالشهادة وإنما قال (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91} سورة يونس) لم يقل آمنت بالله ولكنه قال ما جاء في الآية وكأنه منافق في إسلامه هذا ويريد أن يُرضي بني إسرائيل لعلهم ينقذونه لمن الله تعالى وهو أعلم بما في نفس فرعون رد عليه في قوله تعالى (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91}) لأن الإسلام له حقيقة والإيمان حقيقة، وقد لقي الرسول r أرجلاً فسأله كيف أصبحت؟ قال أصبحت مؤمناً حقاً فسأله الرسول r ما حقيقة إيمانك؟ قال عزفت نفسي عن الدنيا فتساوى عندي ذهبها ومدرها فقل له الرسول r عرفت فالزم.
واختيار المحتضر يعتمد على عمله في الدنيا والمسلم لا يكون خائفاً من لقاء الله لأن الموت والقبر أول منازل الآخرة فإن خُيّر المسلم المحتضر وجاز له هذا فمن تسليمه يجب أن يقول على مراد الله تعالى لأنه لو رجعنا إلى قصة موسى وآدم في الحاقات السابقة لتبيّن لنا أن الإنسان وإن كان مسلماً لا بد أن يخشى ويهاب الموت لكن عليه أن يكون مستعداً لهذا اليوم وهو الأجل المسمّى للإنسان.
ويسأل المقدّم المسلم يحب لقاء الله فهل نرى الله تعالى في الآخرة؟ والجواب أنه توجد أحاديث كثيرة عن الرسول r (من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) ولو نظرنا إلى الموضوع بيقين فالتمني وعدم التمني ليس اختيارياً ولا يحسم قضية فاللقاء محتوم لن يفرّ منه أي من المخلوقات فطالما العقل يحسم القضية فالمسألة أن نخرج من تمني وعدم تمني إلى حب لقاء الله وعجبت لمن يناقش عندما شرحت هذا الحديث وقلت أنه علينا أن نجعل حب الله تدريب للنفس كيف؟ في الصلاة نجعلها صلة بالله تعالى ومناجاة ونوقّعها في الصلاة بتدريب النفس عند السجود وعند ذكر أدعية الرسول r ومناجاة الله تعالى، وقد قال الإمام مالك: إذا أردت أن أناجي ربي دخلت في الصلاة وإذا أردت أن يناجيني ربي قرأت القرآن. فهو على حالتين إما يتلقى عن ربه بافعل ولا تفعل وإما يناجي ربه بالصلاة والدعاء وكأنه يدرّب نفسه على لقاء الله تعالى. ولقاء الله تعالى في الآخرة حساب مصداقاً للحديث (اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب بلا عمل) فلندرّب أنفسنا على لقاء الله من الآن بحب الصلاة والصيام وحسن الخلق وفي المعاملات مع خلق الله وفي الخشوع في الصلاة وغيرها من العبادات.
ثم سؤال هل نرى الله في الآخرة؟ سُئل الرسول r فقال هل تُضارون من رؤيتكم للشمس والقمر؟ قالوا لا قال هكذا سترون الله رب العالمين وفي قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) يؤكد هذا الأمر بنصّ القرآن. وفي حادثة المعراج لما سُئل الرسول وفي حادثة المعراج لما سُئل الرسول إن كان رأى ربه فقال نور أنّى أراه، ولنعلم أن الله تعالى ليس كمثله شيء فلا نتخيل كيف نراه.
يسأل المقدم عن مظاهر الخلق الأربعة التي تحدث عنها الدكتور في حلقة سابقة وهي خلق آدم وخلق حواء وخلق عيسى وخلق باقي الخلق ونريد أن نعرف كيفية موتهم؟ الجواب أنه وإن كانت طرق الخلق مختلفة في الحالات الأربعة لكن الموت واحد لأن الموت هو نقض الحياة ولا فرق بين موت أي منهم والآخر إلا في حالة عيسى u لأنه لم يمت ولكن توفّاه الله تعالى ورفعه إليه (إني متوفيك ورافعك إليّ) لكنه عند الموت سيموت مثل باقي الخلق وقد ذكرنا سابقاً أن الموت حتمي على كل الخلائق حتى ملك الموت سيموت والموت نفسه سيُذبح على الصراط ليفهم الخلق أن الموت مترتب على كل مخلوقات الله تعالى.
نعود لإستكمال الحديث عن آيات الموت في سورة الواقعة التي بدأنا بها الحلقة الماضية (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ {88} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ {89} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {90} فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {91} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ {92}) نأحذ ملمح هذه الآيات وماذا نفهم من قوله تعالى (ترجعونها إن كنتم صادقين) ثم يخبرنا تعالى عن أحوال ثلاثة في المتوفّي وبعد أن أثبت لهم تعالى عجزهم وبعد التحدي لا يكون إلا الموت الذي سيقسم الناس بعده إلى ثلاثة أحوال وكذلك في سورة القيامة (كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق * فلا صدّق ولا صلّى * ولكن كذّب وتولى) كلها تدل على أنه المتوفي لن ينفعه ساعة موته إلا عمله صلّى أو لم يصلّي تصدّق أو لم يتصدّق. وهذه الآيات تحتاج لوقفة مع النفس وإلى أن نحمد الله تعالى أن أبقانا على قيد الحياة حتى نفطن أنه بمدّ الأجل يستوجب الحمد أولاً والحمد ثانياً ثم التوبة والإنابة إلى الله تعالى حتى يتوقّع فيها (فأما وأما ) فنقترب من اثنين ونبتعد عن الثالثة ونعمل عكس (فلا صدّق ولا صلّى).
والناس بعد الموت أحد أصناف ثلاث فهم إما أن يكونوا من المقرّبين أي السابقين الذين كلنوا يفعلون كل ما أمرهم الله تعالى به ورسوله فهؤلاء جزاؤهم (روح وريحان وجنة نعيم) وهذه الجملة تشعرنا بأنهم مرحلتين (روح وريحان) ساعة الموت وفي القبر و(جنة نعيم) في الآخرة لأن الميت إذا كان من المقربين يأتيه قبل أن يأتيه مكفّن الدنيا يأتيه مكفّن من الجنة بحنوط من الجنة وكفن من الجنة وديباج من الجنة وكأن القبر فعلاً أول منازل الآخرة فكأننا بالله تعالى يوقّع لنا مُراده في هذه الآية(فروح وريحان وجنة نعيم) حتى نتّبع ما جاء فيها فنحن نريد أن نكون من هؤلاء المقربين وكم سمعنا عن حالات أخبر عنها الناس أنهم عند دفن الميت شمّوا رائحة المسك فنقول في مثل هذه الحالات نحسبه كذلك ولا نزكّيه على الله وهذا فضل من الله تعالى. والغريب في هذه الآيات أنه تعالى لمّا ذكر المقربين والمكذبين الضالين ذكر التفصيل أما لما ذكر أصحاب اليمين لم يذكر أي تفصيل وإنما قال تعالى (فسلام لك من أصحاب اليمين) ويترك لنا أن نبحث عما يكون عليه أصحاب اليمين كما في قوله تعالى (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه) ولا يمكن أن نصل إلى توصيفهم ففي الجنة كما قال الرسول r ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي الكلام عن المقربين أعطانل تعالى الأوصاف حتى إذا كنا من أصحاب اليمين نحاول أن نصل إلى نعيم المقربين وهذا في القرآن يعطي الألفاظ التي تدعو للعمل لنصل إلى نعيم كما جاء في قوله تعالى (ففروا إلى الله) (وسارعوا إلو مغفرة من ربكم) (فاستبقوا الخيرات) (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) ولهذا فالدرجات في الآخرة متفاوتة وتحتاج إلى سرعة وتسابق. وفي حديث للرسول r أن سبعون ألف من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب فقال عكاشة إسأل الله أن أكون منهم فقال الرسول r أنتم منهم يا عكاشة فقام واحد من الصحابة فقال وأنا يا رسول الله فقال الرسول r أنه لم يعد هناك مكان. فعلينا إذن أن نرتقي لمرتبة السابقين (ثلو من الأولين وقليل من الآخرين) والسابقين هم المتقدمين في القرب من الرسول r والآخِرين هم المتأخرون في الخلق ونحن منهم فالصحابة أولاً ثم التابعين ثم المتأخرين. ونعيم المقربين وأصحاب اليمين يجعلنا ننهض ونبعد عن المكذبين الضالين لأنه كما جاء في توصيف النعيم للمقربين (فروح وريحان وجنة نعيم) جاء التوصيف للمكذبين الضالين (فنزل من حميم وتصلية جحيم) ونزل من حميم مقابلة لروح وريحان وهي في الموت والقبر وتصلية جحيم وي في الآخرة مقابلة لجنة نعيم.
ما هو حق اليقين الذي ورد ذكره في آيات سورة الواقعة (إن هذا لهو حق اليقين) ؟
هذه الآية تذكرنا بمرحلتين في الدنيا تحدث عنهما القرآن في سورة التكاثر (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}) فهناك علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين (ثم لتألن يومئذ عن النعيم). وقد ضرب لنا العلماء مثلاً فقالوا لو كان هناك إناء فيه عسل والرسول r أخبر الناس أن ف الإناء عسل بدون أن يكون ظاهراً لهم الإناء فنصف الحاضرين سيقولون صدقنا ما قاله الرسول r (وقد سُمي أبو بكر بالصديق لأنه كان يصدق الرسول r بما يقول طالما أنه قاله كما حدث عندما أخبره كفار قريش عما يقوله الرسول r في الإسراء والمعراج فقال إن كان قالها فقد صدق) فهؤلاء الذين صدقوا بمجرد إخبار الرسول r لهم علموا علم اليقين، ثم إن قسماً من الحاضرين قالوا نريد أن نرى العسل في الإناء فهؤلاء صدقوا عين اليقين والباقي قالوا لن نصدق إلا إذا ذقنا العسل فهؤلاء علمهم حق اليقين.
وعلم اليقين هو أقل درجات الإدراك وأعلى درجات الإيمان (يؤمنون بالغيب)
وعين اليقين هي مرحلة وسط صاحبها يحب أن ينضم إلى أصحاي علم اليقين حتى لا يكون من أصحاب حق اليقين.
أما حق اليقين فهو أعلى درجات الإدراك وأقلّ درجات الإيمان وصاحبها في النار فقد كذّب وكذّب حتى صار من المكذبين الضالين لا يصدقون بالنار إلا إذا أصبح فيها فيقول كان محمد على حق وعندها لا ينفع التصديق ولا الندم.
لمّا نقابل التوصيفات مع التوقيعات نصل إلى حقيقة مراد الله تعالى وأعلى الدرجات (لترون الجحيم) أن نؤمن بها دون أن نراها. وقد روي أن حنظلة أحد صحابة رسول الله r قابل أبا بكر فقال له نفق حنظلة قال الصديق لماذا؟ قال نكون عند رسول الله نسمعه يتكلم فنرى الجنة رأي العين ونرى النار رأي العين وإذا خرجنا من عنده عاسفنا الأولاد وذهبنا إلى الأسواق، فقال أبو بكر وأنا كذلك فذهبوا إلى الرسول r فأخبروه فقال لهم الرسول r لو أنكم تداومون على ما أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة على فُرشكم وفي الطرقات لكنها ساعة وساعة، ساعة وساعة ساعة وساعة.والمقصود بها ساعة للعمل وساعة للعبادة لا كما فهمها الناس فيقولون ساعة لقلبك وساعة لربك! فالرسول r يدعونا للعمل ولا يريدنا أن نقعد في المسجد 24 ساعة بل يكون وقتنا ساعة للسعي على الرزق وساعة للعبادة وقد ذمّ رسول الله r الرجل الذي كان ينام في المسجد ولا يبارحه عندما سأل الصحابة من يصرف عليه قالوا أخاه فقال الرسول r أخاه أفضل منه في رواية وفي رواية أخرى قالوا كلنا فقال كلكم أفضل منه.
فأما إن كان من المقربين الذين آمنوا بمجرد علم اليقين فروح وريحان وجنة نعيم. أما المكذبين الضالين الذين لم يصدقوا فكان لهم حق اليقين وهو دخول النار والعياذ بالله. فهنيئاً لمن آمن بعلم اليقين وعلينا أن نتدارك أنفسنا إذا كنا في عين اليقين حتى نلحق بأصحاب علم اليقين ولا نكون من أصحاب حق اليقين.
من هم المقربين والسابقين وأصحاب اليمين؟
في الحقيقة الترتيب في الدنيا: علم – عين – حق أما في الآخرة ستكون حق – عين – علم وهذا هو الفرق بين التوصيف والتوقيع والقرآن ذكر ثلاث صنوف. فالمقربين والسبقين كأنهم أعلى درجة من أصحاب اليمين (فأما من أوتي كتابه بيمينه) (وأما من أوتي كتابه بشماله) كأنه نادم على ما قدّم في الدنيا. والدرات لا تنتهي ففي الجنة درجات كثيرة لا تخطر على بال والبون شاسع بين أهل الصنف الواحد فالكل يُجمع أن الصحابة الذين عاصروا الرسول r أنهم من السابقين أو المقربين نحسبهم كذلك، وفي حديث للرسول r في سنده كلام ولكن نورده لنوضح الفرق في الدرجات بين أهل الصنف الواحد، يقول الحديث: أول من يتناول كتابه من أمتي بيمينه عمر بن الخطاب فقال الحاضرون وأبو بكر؟ فيقول الرسول r هيهات هيهات هيهات، عندما يكون عمر يتناول كتابه يكون أبو بكر قد زُفّ إلى الجنة على رأس سبعين ألف من الأمة في الجنة بغير حساب. فإن كان هذا الفرق بين عمر وأبو بكر وهما من صحابة رسول الله r المبشّران بالجنة فما نقول نحن؟ (هيهات تعني بَعُد الفرق بين الإثنين). وحتى لا ينثير جدلاً حول (بغير حساب) نقول أنها لا تعني بغير حساب ولكن يقلّ حسابهم ونحن نسوق الأحاديث لنثبت أن البون شاسع بين أهل الصنف الواحد وكل إنسان يقوم بعمله في الدنيا سيجده فب الآخرة إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشرّ ومن عدالة الله تعالى أن الإنسان يحكم على نفسه بنفسه فتشهد أعماله وجوارحه وكتابه بكل عمله مصداقاً لقوله تعالى في سورة الإسراء (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقه منشوراً * إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).
وورد في الحديث الشريف : "لن يدخل أحدكم الجنة إلا وهو يعلم أنها أولى به من النار ولن يدخل أحدكم النار إلا وهو يعلم أنها أولى به من الجنة" فالذي يدخل الجنة يدخلها وهو واثق أن هذا هو الحق وحتى لو لم يكن يعلم أنها أولى به سيقول إنها كذلك لكن كيف يكون في النار ويعلم أنها أولى به من الجنة؟ هذا يعلمه من كتابه (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) ولذلك صدق تعالى في قوله (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه) لأنه يوم القيامة لن يقرأ إلا حقاً وما في كتابه من أعماله التي عمل بها في الدنيا، فإن كان هذا الكتاب جاء نتيجة أعماله الصالحة في الدنيا أخذه بيمينه (إني ظننت أني ملاق حسابيه) . فهلاّ سارعنا للصلوات وحبونا للضف الأول في المساجد ووقفنا بين يدي الله تعالى بخضوع وصمنا صياماً صحيحاً وحججنا حجاً مبروراً وهلاّ قدمنا من النوافل ما تُجبر به الفروض وإلا ندمنا حيث لا ينفع الندم كما قال ابراهيم u (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). ويجب علينا أن نعلم أن بين المقربين وأصحاب اليمين فرق شاسع حتى بين المقربين والسابقين وبين كل فئة وفئة درجات وفروقات كبيرة فليس كل المقربين مثل بعض كما في حديث عمر وأبو بكر، ومن الفروقات بينهما أن أبا بكر ورد ذكره في القرآن (إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصابه لا تحزن إن الله معنا) وقد كتب الله تعالى لأبي بكر أن يكون صاحب الرسول r في هجرته إلى المدينة وليس عمر أو غيره من الصحابة، وكذلك ورد ذكر أبي بكر في القرآن في خواتيم سورة الليل (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لآحد عنده من نعمة تُجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) وهذا من باب الدرجات. حتى بالنسبة للصلاة فكل المسلمون يصلون لكن ليست صلاة واحدة من ناحية الأجر فالإتقان وكثرة الخشوع وكثرة العمل وسرعة الإسراع (سارعوا) كلها تزيد الدرجات. وعلينا كمسلمين أن نتواصى فيما بيننا كما جاء في سورة العصر (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فلماذا لا نوقظ بعضنا لأداء صلاة الفجر لكن ترانا نوقظ بعضنا عند السفر أو للذهاب في رحلة أو أي عمل دنيوي آخر؟ وغاب عن بالنا أن الله تعالى كتب الأجر الحسن لمن بدأ يومه بصلاة الصبح. وعلينا أن نعلم أن عاقبة غير المسلم (فلا صدّق ولا صلّى) فلماذا خصّ الصلاة بالذكر دون سائر العبادات؟ لأن أول يقين في العمل هو التصديق بكتاب الله (الصلاة) والفرق بين الرجل والكفر ترك الصلاة كما جاء في الحديث. لم يختر الله تعالى بعد عدم التصديق إلا الصلاة وقال بعدها (ولكن كذّب وتولى) فمن تولى عن الصلاة وأعرض عنها تولّى عن الخير كله وأعرض عن الإسلام فالمسلم الذي لا يقيم الصلاة توصيفه (ولكن كذّب وتولى). وطالما أننا نعلم أن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر علينا أن نعمل صالحاً ونستعد للموت في أية لحظة.
ثم جاء قوله تعالى (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى). أولى من ولِيَ مع أفعل التفضيل بمعنى قرُب وأولى هي أفعل ولِيَ بمعنى زيادة الدعاء والثبور . فإن كنت قربت من النار فسيكون الدعاء عليك أن تقرب أكثر وتتحول الآية إلى دعاء على الكافر بالهلاك بمعنى هلاكاً يُبعدك، ثم يكرر (أولى لك فأولى) وهذا عكس ما جاء في الحديث القدسي (إذا تقرب عبدي مني شبراً تقربت منه ذراعا) وقد تكرر الدعاء مرتين حتى يتبين أن الجزاء من جنس العمل وكما أن الله تعالى يتقرب من العبد أكثر مما يتقرب العبد منه كذلك يبتعد عن الكافر أمثر مما ابتعد الكافر عنه. (فلا صدّق ولا صلّى ولكن كذب وتولى) هذه نتيجة ونتيجة النتيجة (أولى لك فأولى) أي قرباً لك من النار بأهمالك وهذا زيادة في الدعاء والثبور والهلاك وتدل على استحقاقه لهذا العذاب.
وطالما أننا علمنا أن الروح لا يمكن أن تعود إلى البدن بعد أن وصلت الحلقوم أو بلغت التراقي ففي هذه اللحظة التي تفارق الروح فيها الجسد وتتحول يا ابن آدم من إنسان بقوام حياة الروح وقد شرّف الله تعالى آدم بأربعة تشريفات كما ذكرنا في الحلقات السابقة (خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وشرع له التوبة) فعليك يا ابن آدم أن تسعى في الخير وأن تهاجر إلى الله ورسوله هجرة زمانية أو مكتنية لأن كل هذا سيظهر في لحظات خروج الروح لتصبح جثة هامدة لن يبقى لك بعدها إلا عملك في الدنيا.
ويسأل المقدم عن دلالة الآية (والتفت الساق بالساق* إلى ربك يومئذ المساق) وهل إلتفاف الساق بالساق تدل على الكافر الذي يصيبه الهلع أم هي للمسلم والمؤمن؟
(والتفت الساق بالساق) هو من نوع المجاز وهي تدل على شدة الكرب والهول بالنسبة للكافر. والخلاف القائم بين المفسرين حول من المقصود بهذه الآية لا وجود له لأن الآية تقول (فلا صدّق ولا صلّى) ومنها نستدل على أن الكلام للكافر. وقد قال بعض المفسرين في هذه الآية أنها تدل على آخر ساعة في الدنيا تلتف مع أول ساعة في الآخرة وهذا أيضاً لا صحة له لأنه كما تقدم الآية بعدها فسرتها (فلا صدق ولا صلى) فالذي يشتد عليه الكرب هو بالتأكيد الكافر والتشكير عن الساق يدل عادة على الشدة والكرب أو على شيء مهم. وقلنا سابقاً أن لحظة خروج الروح (حتى إذا بلغت التراقي) لا تخيف إلا غير المسلم وغير المؤمن.
يسأل المقدم عن حديثين للرسول r الأول: "صحابتي كنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) والثاني مفاده أن أجر الواحد من المتأخرين كأجر ستين من صحابته. فما صحة هذه الأحاديث؟
في نفس الباب أحاديث صحيحة منها "سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" وحديث "من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" والقضية الأساسية من هذه الأحاديث أننا نريد أن نتأسّى بالرسول r وكثيراً ما نجد عجباً في وقت الحج ونرى ونسمع الفتاوى ومن الناس من يُحدث في الحج أموراً ما أنزل الله بها من سلطان وكل تابع لمذهبه لكن عند الإختلاف نعود فنحتكم لما جاء في القرآن (ولله على الناس حج البيت) (ولأتموا الحج والعمرة لله) والسنة (الحج فرض) فلماذا إذن نختلف وكل يقول قال ابن تيمية وقال الإمام مالك والشافعي ولا نقول قال رسول الله r ونتأسى به ونعمل بقوله (خذوا عني مناسككم) وقوله r (صلّوا كما رأيتموني أُصلي) لكن للأسف أخذ الناس يسعون للرخص حتى أصبحت الرخصة هي الأساس والأساس هو الرخصة. والرخصة هي تخفيف لأصحاب الأعذار فهل أصبحنا جميعاً من أهل الأعذار؟ وهذه دعوة للإقتداء برسول الله r.
"كان رسول الله r يمشي بين القبور مع أصجابه فقال: اشتقت لأحبابي فقالوا أولسنا أحبابك يا رسول اله قال أنتم أصحابي قالوا من أحبابك؟ قال قوم يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني" هذه درجة أعلى فكأن رؤية رسول الله r ومصاحبته هي التي دفعت الصحابة إلى الإيمان به لذلك على كل المسلمين أن ينتبهوا إلى نقطة هامة وهي: هل أسلمنا بإرادتنا؟ او لأننا خلقنا من أبوين مسلمين؟ وهناك فرق بين من أسلم على عهد رسول الله r بعد أن شاهده وسمع عنه وبين من أسلم عن اقتناع، ولذا على كل أبوين بمجرد أن يصبح أبناؤهم في سن البلوغ أن يعلموهم أمور الدين ويطلبوا منهم أن ينطقوا بالشهادتين ويعلمونهم كل أمور الدين وعن التقوى والإيمان والإحسان والعدل وحسن الخلق والمعاملة ونعلمهم أن خير من نقتدي به هو رسول الله r لأنه هو القدوة كما قال تعالى في كتابه العزيز (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) ولا بأس إن اقتدى أحدنا بعد الرسول بشيخه أو بإمام من أئمة الأمة وإنما الأصل أن أقتدي برسول الله r.
يسأل المقدم سؤالاً تكرر على البرنامج وهو ما دلالة قوله تعالى (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)؟
هذه تحتاج إلى وقفة. وهذا الكلام جاء على لسان البشر وهذا اعتراف بما قرره الله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) التي جاءت في سورة البقرة قبل آية خلق آدم واستخلافه في الأرض وقلنا سابقاً قبل أن جعل الله تعالى آدم خليفة في الأرض قرر هذه الكلام وهو يعني أن الناس كانوا أمواتاً في عالم الذر فأحياهم الله تعالى بالخلق ثم يميتهم الميتة العادية ثم يحييهم ثانية بالبعث يوم القيامة، فكأن المرحلة السابقة للخلق كانت موتاً على أني أريد أن أقف عند ملمح الروح في القرآن. وقلنا أن اقرآن سُمي روحاً (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) وكأنها بما يحييكم، وقلنا أن القرآن سمي روحاً لأنه يعمل حياة جديدية للمسلم وكأن المسلم القارئ للقرآن له حياتان حياة بقوام الحياة وحياة بالقرآن أي المنهج الذي هو دستور ومنهج حياة كامل. فلو أن الله تعالى قال لنا صلّوا وحجوا ولم يبيّن لنا الرسول r كيف فكيف نصلي ونحج؟ إذن هذا معنى (دعاكم لما يحييكم). وكذلك قلنا أن القرآن سمي روحاً بدلالة قوله تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) أي القرآن وقد سمي الوحي كله روحاً والقرآن وحده روحاً وبه يحيا الإنسان في الحقيقة حياة المسلم القارئ للقرآن المتّبع له كمنهج حياة تختلف حياته عن المسلم الذي لا يقرأ القرآن ولا يتّبع منهجه ولرُب قارئ للقرآن القرآن يلعنه لأنه لا يطبقه ولا يعمل به. وأصعب موقف يوم القيامة أن يأتي المسلم والقرآن يلعنه (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) ولا يجب أن يكون عمل المسلم يخالف قوله. ويجب على المسلم أن يكون إماماً لغيره وبعمله يكون قدوة ونبراساً لغيره من المسلمين وكم سمعنا عن أناس أسلموا والتزموا بعدما رأوا عمل مسلم آخر وتأثروا بنهجه، وكم سمعنا في قصص الفتوحات الإسلامية عن أقوام دخلوا في الإسلام بعدما أعجبوا بأخلاق المسلمين الفاتحين.
وختمت الحلقة بدعاء من الدكتور هداية للمسلمين جميعاً.
بُثت الحلقة بتاريخ 28/3/2004م
منقول من موقع اسلاميات
http://www.islamiyyat.com/
مواضيع مماثلة
» طريق الهداية - الحلقة 5 - الموت وآيات الموت فى القرآن
» طريق الهداية - الحلقة 4 - كنه الموت
» طريق الهداية - التوبة والاستغفار 82 ( الموت وكيف يحيد عنة الانسان ؟)
» طريق الهداية - التوبة والاستغفار 79( صفات عباد الرحمن - الموت و الحساب )
» طريق الهداية - الحلقة 7 - الاحتضار
» طريق الهداية - الحلقة 4 - كنه الموت
» طريق الهداية - التوبة والاستغفار 82 ( الموت وكيف يحيد عنة الانسان ؟)
» طريق الهداية - التوبة والاستغفار 79( صفات عباد الرحمن - الموت و الحساب )
» طريق الهداية - الحلقة 7 - الاحتضار
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى