طريق الهداية - الحلقة 3 - بداية ومراحل الخلق
صفحة 1 من اصل 1
طريق الهداية - الحلقة 3 - بداية ومراحل الخلق
لحلقة الثالثة (بداية ومراحل الخلق)
خلق الله تعالى الخلق في أربع أنواع: خلق آدم u بدون أب ولا أم، وخلق حوّاء من ضلعه أي من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى u من أنثى بلا ذكر، وخلق بني آدم جميعاً ومنهم الرسول r من ذكر وأنثى.
وجاء في الحديث الشريف عن الرسول r أن أهل اليمن جاءوا إلى الرسول r قالوا: جئناك لنسألك عن أوّل الأمر (بمعنى كيف بدأ الخلق) ففهم الرسول r السؤال وعرف أنه يحتاج إلى إجابة منه حتى لا يترك الناس للأهواء والعبث والشيطان فقال r: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض." وفي رواية أخرى (ولم يكن شيء غيره). والماء الذي عليه العرش هو الماء كله الي خلقه الله تعالى وكتب في الذكر معناها اللوح المحفوظ. فيجب أن نجعل الله تعالى بداية تفكيرنا حتى لا ننتقل من سؤال من خلق كذا ومن خلق كذا لنصل إلى سؤال من خلق الله؟ وهذا من عبث الشيطان ببني آدم.
وللإجابة عن السؤال كيف بدأ الكون؟ يجد الإجابة في حديث الرسول r فكتابة كل شيء في الذكر كان بل خلق السمولت والأرض والحديث يتفق مع حديث آخر (إن الله خلق القلم فقال له اكتب فكتب مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) إذن خلق الله تعالى العرش ثم القم وأمره أن يمتب كل شيء ثم السموات والأرض وهذا كله قبل خلق آدم u. إذن آدم خُلق بعدما خلق الله تعالى له الخلق كلّه كما جاء في حديث أبو هريرة: أخذ رسول الله r بيدي وقال: " خلق الله التُربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ الدواب يوم الخميس وخلق آدم آخر ساعة من ساعات الجمعة من العصر إلى الليل في آخر الخلق." لأن الله تعالى كرّم آدم على سائر المخلوقات وقال في سورة الإسراء (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {70}) هذا التكريم يدلّ على أنه خلق آدم بين شريف (وهم الملائكة) ووضيع (الحيوان) فكان آدم وسط بين الإثنين وجعل له مفاتيح إن أخذها يستطيع أن يتقرّب من الملائكية وإذا تركها تدنّى للحيوان (بالشهوة الحيوانية) يقال ليتيم الإنسان من فقد أبوه أما يتيم الحيوان فهو من فقد أمه لأن ذكر الحيوان يأتي شهوته ثم يترك صغاره فتربيهم أمهم. ولا يتدنى للشيطان لأن الشيطان خلق آخر مخلوق من مارج من نار. فالإنسان إما أن يكون من أولياء الله أو من أولياء الشيطان اتّباعاً وليس خلقاً وهناك فرق بين الإتباع والخلق. وحينما يصوم الإنسان يتجرّد من بشريته ويعلو ويتقرب من الملائكية بدليل ما جاء في القرآن الكريم على لسان مريم عليها السلام (إني نذرت للرحمن صوماً فلن أُكلّم اليوم إنسيا) نفت كلامها مع الإنس لكن لو جاء جبريل لكلمته، فالصيام يرفع درجة الإنسان إلى درجة الملائكية وهي الطاعة العمياء لأن الملائكة جُبلت على ذلك والبشر الطائعين أفضل عند الله تعالى من الملائكة لأن الإنسان الطائع الذي أمامه الفجور والتقوى اختار الطاعة والتقوى أما الملائكة فهي طائعة بالكليّة. وقوله تعالى في سورة البلد (وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة) وقوله في سورة الشمس (فألهمها فجورها وتقواها) الإلهام هنا بمعنى الإرشاد أي أن الله تعالى يُرشد الإنسان إلى الطريقين طريق الخير وطريق الشر وهذا من رحمته ومن نعمه على الإنسان لأنه عندما يبيّن لنا طريق الشر يعيننا على تجنبه فلا نفع في المعاصي ولا نقع في شرور الأعمال وهذا من فضل الله علينا وعندما يُبيّن لنا طريق التقوى نتيعها وهذا لا يتعارض مع النفس البشرية التي جُبلت على الفطرة. إذن إلهام الفجور هو من فضل الله ونعمه علينا حتى نجتنب الفجور وما يؤدي إليه.
وإذا لاحظنا القرآن كله نجد أن الله تعالى ذكر أنه خلق بيده شيئين اثنين فقط هما آدم u (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) والسماء في قوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) وهذا من باب تكريم آدم u. وهناك أربعة أمور كرّم الله تعالى بها آدم u هي:
كرّم الله تعالى آدم بأن خلقه بيده (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) وكما أوضحنا سابقاً خلق الله تعالى آدم والسماء بيده فقط على ما نصّ عليه القرآن الكريم.
أن الله تعالى نفخ في آدم u من روحه (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وهذا لم يحدث في أي خلق من خلق الله تعالى.
أسجد له الملائكة (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) وهذا أيضاً لم يحدث لخلق آخر من خلق الله تعالى.
علّمه الأسماء كلها (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة). والأسماء هي كل شيء خلقه الله تعالى حتى الكلام ولهذا لم يقل وعلّمه الكلام لأن الكلام ليس هو الأسماء أما الأسماء فهي تشمل الكلام. الكلام هو أسماء وأفعال وحروف لكن يوجد كلام ليس به أسماء وقد يكون أفعالاً وحروفاً فقط فلو قلنا مثلاً يلعب الولد بالكرة وأعربنا يلعب لقلنا أنها فعل مضارع، فإذا قلنا اعرب فعل مضارع نقول فعل مبتدأ ومضارع خبر إذن توصيف الفعل هو إسم كذلك (في) حرف جر وكلمة (في) اسم ولذلك قال تعالى علّمه الأسماء ولم يقل علمه الكلام أي علّمه الأسماء بما فيها من أفعال وحروف وكلام. ثم قوله تعالى (ثم عرضهم على الملائكة) تدل على صحة قولنا هذا وأنها ليست مجرد أسماء وإلا لقال تعالى ثم عرضها على الملائكة.
يردد الكثير من الناس مقولة أن آدم هو خليفة الله في الأرض وهذا كلام باطل وفيه كفر لأن القرآن الكريم لم يقلها أصلاً وإنما قال تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) مطلقة ولم يقل خليفة لي. ثم إن هناك أمر آخر يقال خليفة في اللغة لمن يخلف غيره ويقوم مقامه في غياب المخلوف أو موته أو فنائه. وآدم u جاء خليفة في الأرض لمن كان قبله من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ولهذا في حوار الملائكة مع الله تعالى قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) لأنهم علموا ما فعل الجن سابقاً ثم لما أفسدت الجن في الأرض أمرهم الله تعالى بإخراجهم إلى جزائر البحور ولو فهمت الملائكة أن الله تعالى أراد أن يخلق آدم ويجعله خليفة له لما تساءلت كما ورد في الآية والملائكة أعلم بذات الله من حيث الطاعة والعبادة. ولا يمكن أصلاً أن يكون لله تعالى خليفة فالله تعالى ليس كمثله شيء، وأطرح سؤالاً مت يُعين خليفة؟ والجواب عندما يموت المخلوف ! الصدّيق أبو بكر رضي الله عنه عُيّن خليفة لرسول الله r بعد وفاة الرسول r، أما الله تعالى فحيّ لا يموت ولا يجب علينا التجرؤ على الله تعالى بمثل هذه الأقوال . ومقولة الناس آدم خليفة الله في الأرض كلام خطأ باطل مفترى وكأن الله تعالى يحتاج لخليفة في الأرض وآخر في السماء وآخر في الجبال وحاشاه سبحانه وتعالى عما يقولون. البشر فقط هم من يحتاج إلى خلائف والحاكم الواحد قد يحتاج لأكثر من خليفة أما الله تعالى فليس كمثله شيء ولا يمكن أن يكون له خليفة. وقد اعتمد ابن كثير في تفسيره على قول الله تعالى (وجعلناكم خلائف الأرض) في تفسير آية سورة البقرة (إني جاعل في الأرض خليفة).
ذكرنا سابقاً أربعة أوجه لبيان قدرة الله تعالى في الخلق هي خلق آدم u، خلق حواء، خلق عيسى u وخلق باقي البشر ومنهم الرسول r، ونبيّن الفرق بينهم.
خلق الله تعالى آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض وتفرّد آدم u أنه خُلق من تراب وماء ثم كان طيناً لازباً ثم حمأ مسنوناً ثم فخاراً ثم نفخ الله تعالى فيه من روحه فتحول الفخار إلى الجسد البشري وآدم u خُلق بدون ذكر أو أُنثى. ثم خُلقت حواء من ضلع آدم u أي من ذكر بلا أنثى ثم خلق الله تعالى بقية الخلق من البشر من ذكر وأنثى فبقي أن يخلق تعالى بشراً من أنثى بلا ذكر فخلق عيسى u لتثبيت قدرته على الخلق بجميع أنواعه. وهنا نأتي لمن توقفوا عند خلق عيسى ونقول لهم كما قال تعالى (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) فيا من توقفتم عند خلق عيسى وقلتم خلق بطريقة غريبة كان الأولى بكم أن تتوقفوا عند خلق آدم فعيسى على الأقل كان له أم تحمله أما آدم فخُلق من دون ذكر ولا أنثى والتوقف عند خلق عيسى كان لمجرد الكفر لأن كان يجب عليهم أن يقولوا سبحان الله إن الذي خلق آدم بهذه الطريقة قادر على خلق عيسى من أنثى بلا ذكر.
أما بنو آدم فلننظر في آيات القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول r يتضح لنا مراحل خلق بني آدم. جاء في حديث الرسول r: " إن خلق أحدنا في بطن أمه يكتمل في أربعين يوماً ثم يصبح مضغة مثل ذلك ثم علقة مثل ذلك ثم يأتيه ملك من قِبل الله فيسأل أربع أسئلة عن رزقه وعن أجله وعن عمله وشقي أم سعيد" وفي رواية البخاري ينفخ فيه الروح قبل الأسئلة، وفي رواية مسلم ينفخ فيه الروح بعد الأسئلة، ورواية أحمد والترمذي جمعت الروايتين.
والفيصل في مراحل خلق الإنسان ما جاء في أوائل سورة المؤمنون فقد أوقع تعالى خلق الإنسان توقيعاً بليغاً فقال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}) والآية تشير إلى خلق آدم (من سلالة من طين) وهو بداية الخلق ثم يأخذ من هذه البداية خلقاً آخر (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) وهذه طريقة خلق ذرية آدم u، وقد جاء في الآية في سورة الأعراف (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}) وهذا حدث في عالم الذرّ والذي فيه يتكلم الناس ويشهدون ويلبّون ويفعلون ما يأمرهم الله تعالى تنفيذاً لحكم الله ولعلم الله وقدرته. وهذه الآية هي حقيقة حصلت فعلاً وكل البشر من آدم u إلى الساعة شهدوا بوحدانية الله تعالى وحينمت أمر تعالى ابراهيم u بأن يؤذن في الناس بالحج أجاب ابراهيم وما يبلغ صوتي فقال تعالى عليك الأذان وعلينا الإبلاغ فصعد ابراهيم u فوق جبل أبي قبيس ونادى: يا بني آدم إن الله تعالى بنى بيتاً فحجّوه فأجابت كل الأرواح في عالم الغيب الأمين لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك فالذي أجاب هم كل من كتب الله تعالى له الحج أو العمرة. وفي موضوع الخلق آية سورة الأعراف دليل على أن الله تعالى أخذ من أصلاب الآباء الحيوانات المنوية التي ستصبح بشراً فيما بعد. ولماذا أشهدهم الله تعالى على أنفسهم في عالم الذر؟ أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، غير المسلم يأخذ باله وينتبه جيداً للتكنولوجيا وآخر المستجدات والأبحاث والإكتشافات العلمية ول يأخذ باله او يتفكر في بمن أوجد كل هذا الكون وخلقه من عدم بما يدلّ على وجود الخالق العظيم. وقد سُئلت امرأة على الفطرة هل جاءك الإسلام فقالت لا قالوا كيف عرفت أن الله واحد فأجابت البعرة تدل على البعير والخطى تدل على المسير كونٌ له بحار وأرض وجبال ألا يدل ذلك على وجود الحكيم الخبير؟. وابراهيم u لما خرج يتأمل في الكواكب يبحث عن الخالق لم يقتنع بأي من الكواكب أن تكون ربه لأنها كانت تأفل والآفل هو المتغير فقال ابراهيم في نفسه إن الذي يتغير له مُغيّر فالمغيّر هو الذي يستحق العبادة. وهو أولى بها. بقي ابراهيم u يبحث في المتغيرات إلى أن وصل إلى الذي يُغيّر ولا يتغيّر فقال (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلما) وابراهيم u كان من الذين اشهدهم الله تعالى على أنفسهم، فالفطرة السليمة تصل بالإنسان للتوحيد وآيات الخلق في سورة المؤمنون تدل على أن الفطرة السليمة تصل بالإنسان إلى الإله الحقّ.
شرّف الله تعالى آدم كما قلنا سابقاً إن خلقه بيده فكيف أعصاه؟ ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته ومن ضمن التشريف لآدم أن الشيطان لم يسجد له لأنه عاصي والتشريف الرابع أنه علّمه الأسماء كلها (علّم الإنسان ما لم يعلم) فلا يجوز للإنسان أن يقول اخترعت لكن يجب أن يقول اكتشفت لأن الإختراع أن تنشئ الشيء والمنشيء والواجد هو الله تعالى وأما البحوث فتصل بالإنسان إلى اكتشاف الأشياء.
أسئلة المشاهدين:
تحدثت في لقاء سابق عن توبة الملائكة فهل لك أن توضح لنا ماهية هذه التوية؟ الملائكة تابت توبة إنابة إلى الله تعالى عندما قالت في سورة البقرة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {32}) باعتبارهم قالوا بغاية الإستفسار (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فقال الله تعالى (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) والملائكة عندما تكلمت تكلمت في نفسها (أن الله تعالى مهما خلق من خلق فلن يكون أكرم منّا على الله) ثم تنبهوا وتابوا إلى الله توبة إنابة لا توبة عن معصية لكن توبتهم كانت عن مجرد استفسارهم وسؤالهم أصلاً لم يكن من باب الإعتراض وإنما من باب الإستفسار. والإستفهام لغة الغرض منه الإستفسار فعندما نسأل مثلاً أنجح الولد لا يكون استفهاماً بل تحققاً ويدل على أن الولد نجح لكن أتأكد فقط. والملائكة جُبلت على الطاعة ولم يكونوا يعترضون على الله تعالى لكن كما قلنا سؤالهم كان سؤال استفسار لأن الملائكة علمت أن الجنّ سبقت آدم في الأرض وأفسدوا وسفكوا الدماء فظنوا أن من يكون على الأرض يكون وظيفته الإفساد وسفك الدماء ولهذا سألت الملائكة والآية فيها كلام كثير ربما تعرضنا له في حلقات قادمة.
وسأل المشاهد عن الشيطان وكيف سُلّط على آدم حينما رآه مخلوقاً أجوفاً والله تعالى صمد. الشيطان سُلّط علينا من كل جانب (لئن سُلّطت عليه لأغوينه) ونسمع كلامه بدليل المعاصي التي يرتكبها الإنسان فهي إما أن تكون من هوى النفس أو من الشيطان. ويحذرنا الله تعالى من اتباع الشيطان في قوله (إن الشيطان كان لكم عدواً فاتخذوه عدوا) ونحن نسمع كلامه على مدار اليوم ونتبعه مع أن الشيطان ليس قوياً بدليل قوله تعالى (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).
ما الحكمة من خلق الشيطان؟ الشيطان بما له وما عليه من تركيبة عبادته أن يُغوي ابن آدم وعلى هذا الشيطان يؤدي وظيفته أحسن من البشر فقد قال لربه (وبعزتك لأغوينهم أجمعين) وهو يؤدي هذه الوظيفة أما نحن فلم نفعل ما أمرنا الله تعالى به وهو أن نحذر الشيطان ونجتنبه وعدم اتباعه. ولو فتشنا في القرآن كله نجد أن البشر إما أن يكونوا في معيّة الله تعالى أو في معيّة الشيطان . وخلق الشيطان ينطق بالحكمة التي من أجلها خُلق وهي غواية البشر (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {13} سورة السجدة) (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ {85}ص). فالإنسان عنده فرصة الطاعة أو المعصية واتباعنا للقرآن والرسول r والسنة النبوية يوصلنا إلى الجنة باذن الله ومن يتركهم يكون مصيره إلى النار والعياذ بالله. والشيطان يوسوس لكن لا يوجد مقابله ملك يقول لك لا تفعل وإنما مقابله قرآن كريم وحديث الرسول r فالعقيدة هي الأساس ونحن للأسف أسأنا فهم القرآن وفهم الرسول r وأسأنا طاعة الله تعالى وطاعة رسوله r فكان البديل ما نحن عليه.
سبق أن تحثت عن إعجاز عددي في بعض سور القرآن فهل لك أن تحدثنا عنها؟ سبق أن قلت في لقاء سابق أنه في سورة محمد الآية 13 (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ {13}) إشارة إلى 13 سنة قضاها الرسول r في مكة، وفي سورة التوبة (الجزء العاشر) إشارة إلى 10 سنوات قضاها الرسول r في المدينة. وفي نهاية الجزء 23 الآية (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ {30}الزمر) إشارة إلى موته r بعد ثلاث وعشرين سنة من الدعوة.
ما أهمية الإستبراء من البول بناء على ما جاء في الحديث الشريف عن الذين يعذبان وما يعذبان في كبير؟ كان أحدهما لا يسبرئ من بوله؟ البول نجس والنجاسة تُخرج الإنسان من معية الملائكة إلى معيّة الشيكان والله تعالى كرّم بني آدم. ومفاح الجنة أمرين الصيام والصلاة فالصيام يرقى بالناس إلى الملائكية والصلاة التي مقدمتها الوضوء تجعلك في معية الملائكة فإذا عاش الإنسان على وضوء فحياته كلها تكون في معيّة الملائكة وقد جاء في حديث الرسول r عن بلال رضي الله عنه أنه قال له إني لأسمع دف نعليك في الجنة فقال بلال رضي الله عنه ما أحدثت إلا توضأت وما توضأت إلا صليت ركعتين لله سنة وضوء. فالإنسان الواعي عليه أن يكون على وضوء دائماً حتى يبقى في معية الملائكة لأنها تبتعد وتتأذى من النجاسة. وفي حديث آخر للرسول r عن المحتضر بأن لا يدخل عليه لا جُنُب ولا حائض ولا نُفساء لأن الملائكة تتأذى من النجاسة. والذي يتبول عليه أن يستبرئ من البول ويتطهر بالماء ثم يتوضأ فيكون في معية الملائكة إن كانت هذه حاله دائماً.
شرح آية في سورة الأعراف 172 قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}) . هذه الآية تحكي قصة الخلق أن الله تعالى جبل بني آدم على الفطرة السليمة ونحن في عالم الذرّ بالفطرة السليمة وحّدنا الله تعالى حتى من جاء بغير الإسلام كلهم شهدوا بالوحدانية لله تعالى. في عام 1985 في مؤتمر طبي في القاهرة رأينا إن الحيوانات المنوية التي يمكن أن تُلقّح البويضة تطوف حول البويضة 7 مرات عكس عقارب الساعة حتى الإلكترونات تدور عكس عقارب الساعة 7 مرات وهذه العملية تماماً كاطواف حول الكعبة وهذا يدل على أن كل شيء سيُخلق يُعلن التوحيد قبل خلقه. فالمولى بعزته وجلاله أسلم له من في السموات والأرض (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ {83} آل عمران) فالمسلم وغير المسلم عندما يستيقظ صباحاً لا يمكن أن يعمل شيئاً لا يريده الله تعالى فهو مسلم كرهاً. وهذا يقودنا إلى سؤال آخر ويحتاج لحلقة بكاملها لتناوله وهي هل الإنسان مخير أو مسيّر. ونقول الآن باختصار أن الإنسان مخيّر في أمور العقيدة والعبادة والقضية يجب أن تدور في فلك علم الله تعالى وعلمه سابق أزلي، علِم الله أن سأكون في الجنة أو في النار وهذا لا يتناقض مع كوني أختار الإيمان وعكسه، ومنتهى علم الله شيء وكوني أختار شيء آخر وما أختاره أيضاً في علم الله وهذا ما أوجد لبساً عند الناس. وهناك من قال أن الإنسان مسيّر مطلقاً ومنهم من قال أنه مخيّر مطلقاً ومنهم من قال مسيّر في أمور ومخيّر في أمور أخرى.
ما تفسير الحديث الشريف (ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل النار حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)؟ هذا الحديث هو تتمة حديث الخلق الذي ذكرناه سابقاً. نحن لا نعلم قضاء المولى لي بالجنة أو بالنار لكن كفاني فخراً أن الله تعالى اختارني مسلماً وكوني مسلماً يحتم علي منطقياً أن انطلق في الطاعات والعبادات لا بالمعاصي لئلا أُقبض عليها. وفي حديث الرسول r تحذير شديد وتوجيه إلى المداومة على الطاعة وعدم الإقتراب من المعاصي مهما صغّرها الشيطان في النفس فقد تكون هذه النهاية. المسألة تعود إلى الله تعالى من عاش في الطاعات ثم قرر مثلاً أن يذوق الخمر ثم قُبض على ذلك فكأنه كفر بكل ما سبق من طاعات. والله تعالى يشتر العصاة ليعطيهم فرصة للعودة والطاعة وحتى لا يكونوا قدوة لغيرهم، فمن نعم الله علينا ستر المعاصي وكأننا بالله تعالى يجعلنا على الطاعة فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. فالسارق يستره الله تعالى حتى لا يراه غيره ويقتدي به.
كيفية الإستواء على العرش؟ الإستواء معلوم والكيف مجهول ونحن نقول سمعنا وأطعنا. هذه المسألة حيّرت الفلاسفة والعلماء والرسول r علّمنا أن لا نقول كيف وأين ولماذا؟ وقوله تعالى (وكان عرشه على الماء) استخدامه له حكمة وهي أزلية كل شيء بالنسبة لله تعالى.
هل صحيح أن موسى عليه السلام وآدم رفضا ملك الموت عندما جاء ليقبضهما؟ موت آدم وموسى يفيدنا أن الموت يُرعب الناس جميعاً لكن يجب أن يُحب الناس لقاء الله حتى يُحب الله لقاءهم ويجب أن يكونوا مستعدين للموت. وعندما خُلق آدم رأى داوود فقال من هذا؟ قال نبي من آخر الزمان قال كم عمره قال ستون عاماً قال رب اتممهم مئة فقال تعالى لا يمكن أن اكمله إلا من عمرك فأخذ من عمر آدم أربعين عاماً (وهذا اختبار) وعاش آدم r ألف عام إلا أربعين عاماً جاءه ملك الموت فقال من أنت قال ملك الموت قال ماذا تريد قال ألم تُعطي داوود أربعين عاماً من عمرك فقال لم يحصل فقال النبي r فجحد آدم وجحدت ذريته من بعده ونسي آدم ونسيت ذريته. والشاهد من هذه القصة أن تُعطي وعداً ولا تنفّذه. أما موسى u فقد فقأ عين ملك الموت (صكّه) وفي رواية فقأ عينه وقال لا أريد أن أموت وعاد ملك الموت إلى ربه فقال عد إليه فقال إن الله أمرك أن تضع يدك على جسم ثور وسيزيد في عمرك على قدر الشعرات التي يمسّها كفك فقال موسى ثم ماذا قال الموت فقال إذن الآن. والشاهد من هذه القصة أن الموت قادم لا محالة وعلى الإنسان الإستعداد له وقال الرسول r أكثروا من ذكر هادم اللذات (أي الموت) وقال أيضاً (من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه). ولما جاء ملك الموت للرسول r الذي فهم الموت وهو مؤمن بقضاء الله ويعرق قيمته عند ربه قال: "إن عبداً خيّره الله بين " فحزن أبو بكر وفهم كلام الرسول r بأن الأجل قد دنى. وكذلك موسى لا نقول أنه كره الموت لكن مهابة الموت في النفوس تجعلنا على هذا أما الرسول r فيعطي القدوة والمثل بالإستعداد للموت لأن المسلم مؤمن بالموت أنه آت لا محالة مصداقاً لقوله تعالى (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم).
بُثّت الحلقة بتاريخ 7/3/2004م
منقول من موقع اسلاميات
http://www.islamiyyat.com/
خلق الله تعالى الخلق في أربع أنواع: خلق آدم u بدون أب ولا أم، وخلق حوّاء من ضلعه أي من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى u من أنثى بلا ذكر، وخلق بني آدم جميعاً ومنهم الرسول r من ذكر وأنثى.
وجاء في الحديث الشريف عن الرسول r أن أهل اليمن جاءوا إلى الرسول r قالوا: جئناك لنسألك عن أوّل الأمر (بمعنى كيف بدأ الخلق) ففهم الرسول r السؤال وعرف أنه يحتاج إلى إجابة منه حتى لا يترك الناس للأهواء والعبث والشيطان فقال r: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض." وفي رواية أخرى (ولم يكن شيء غيره). والماء الذي عليه العرش هو الماء كله الي خلقه الله تعالى وكتب في الذكر معناها اللوح المحفوظ. فيجب أن نجعل الله تعالى بداية تفكيرنا حتى لا ننتقل من سؤال من خلق كذا ومن خلق كذا لنصل إلى سؤال من خلق الله؟ وهذا من عبث الشيطان ببني آدم.
وللإجابة عن السؤال كيف بدأ الكون؟ يجد الإجابة في حديث الرسول r فكتابة كل شيء في الذكر كان بل خلق السمولت والأرض والحديث يتفق مع حديث آخر (إن الله خلق القلم فقال له اكتب فكتب مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) إذن خلق الله تعالى العرش ثم القم وأمره أن يمتب كل شيء ثم السموات والأرض وهذا كله قبل خلق آدم u. إذن آدم خُلق بعدما خلق الله تعالى له الخلق كلّه كما جاء في حديث أبو هريرة: أخذ رسول الله r بيدي وقال: " خلق الله التُربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ الدواب يوم الخميس وخلق آدم آخر ساعة من ساعات الجمعة من العصر إلى الليل في آخر الخلق." لأن الله تعالى كرّم آدم على سائر المخلوقات وقال في سورة الإسراء (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {70}) هذا التكريم يدلّ على أنه خلق آدم بين شريف (وهم الملائكة) ووضيع (الحيوان) فكان آدم وسط بين الإثنين وجعل له مفاتيح إن أخذها يستطيع أن يتقرّب من الملائكية وإذا تركها تدنّى للحيوان (بالشهوة الحيوانية) يقال ليتيم الإنسان من فقد أبوه أما يتيم الحيوان فهو من فقد أمه لأن ذكر الحيوان يأتي شهوته ثم يترك صغاره فتربيهم أمهم. ولا يتدنى للشيطان لأن الشيطان خلق آخر مخلوق من مارج من نار. فالإنسان إما أن يكون من أولياء الله أو من أولياء الشيطان اتّباعاً وليس خلقاً وهناك فرق بين الإتباع والخلق. وحينما يصوم الإنسان يتجرّد من بشريته ويعلو ويتقرب من الملائكية بدليل ما جاء في القرآن الكريم على لسان مريم عليها السلام (إني نذرت للرحمن صوماً فلن أُكلّم اليوم إنسيا) نفت كلامها مع الإنس لكن لو جاء جبريل لكلمته، فالصيام يرفع درجة الإنسان إلى درجة الملائكية وهي الطاعة العمياء لأن الملائكة جُبلت على ذلك والبشر الطائعين أفضل عند الله تعالى من الملائكة لأن الإنسان الطائع الذي أمامه الفجور والتقوى اختار الطاعة والتقوى أما الملائكة فهي طائعة بالكليّة. وقوله تعالى في سورة البلد (وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة) وقوله في سورة الشمس (فألهمها فجورها وتقواها) الإلهام هنا بمعنى الإرشاد أي أن الله تعالى يُرشد الإنسان إلى الطريقين طريق الخير وطريق الشر وهذا من رحمته ومن نعمه على الإنسان لأنه عندما يبيّن لنا طريق الشر يعيننا على تجنبه فلا نفع في المعاصي ولا نقع في شرور الأعمال وهذا من فضل الله علينا وعندما يُبيّن لنا طريق التقوى نتيعها وهذا لا يتعارض مع النفس البشرية التي جُبلت على الفطرة. إذن إلهام الفجور هو من فضل الله ونعمه علينا حتى نجتنب الفجور وما يؤدي إليه.
وإذا لاحظنا القرآن كله نجد أن الله تعالى ذكر أنه خلق بيده شيئين اثنين فقط هما آدم u (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) والسماء في قوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) وهذا من باب تكريم آدم u. وهناك أربعة أمور كرّم الله تعالى بها آدم u هي:
كرّم الله تعالى آدم بأن خلقه بيده (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) وكما أوضحنا سابقاً خلق الله تعالى آدم والسماء بيده فقط على ما نصّ عليه القرآن الكريم.
أن الله تعالى نفخ في آدم u من روحه (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وهذا لم يحدث في أي خلق من خلق الله تعالى.
أسجد له الملائكة (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) وهذا أيضاً لم يحدث لخلق آخر من خلق الله تعالى.
علّمه الأسماء كلها (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة). والأسماء هي كل شيء خلقه الله تعالى حتى الكلام ولهذا لم يقل وعلّمه الكلام لأن الكلام ليس هو الأسماء أما الأسماء فهي تشمل الكلام. الكلام هو أسماء وأفعال وحروف لكن يوجد كلام ليس به أسماء وقد يكون أفعالاً وحروفاً فقط فلو قلنا مثلاً يلعب الولد بالكرة وأعربنا يلعب لقلنا أنها فعل مضارع، فإذا قلنا اعرب فعل مضارع نقول فعل مبتدأ ومضارع خبر إذن توصيف الفعل هو إسم كذلك (في) حرف جر وكلمة (في) اسم ولذلك قال تعالى علّمه الأسماء ولم يقل علمه الكلام أي علّمه الأسماء بما فيها من أفعال وحروف وكلام. ثم قوله تعالى (ثم عرضهم على الملائكة) تدل على صحة قولنا هذا وأنها ليست مجرد أسماء وإلا لقال تعالى ثم عرضها على الملائكة.
يردد الكثير من الناس مقولة أن آدم هو خليفة الله في الأرض وهذا كلام باطل وفيه كفر لأن القرآن الكريم لم يقلها أصلاً وإنما قال تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) مطلقة ولم يقل خليفة لي. ثم إن هناك أمر آخر يقال خليفة في اللغة لمن يخلف غيره ويقوم مقامه في غياب المخلوف أو موته أو فنائه. وآدم u جاء خليفة في الأرض لمن كان قبله من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ولهذا في حوار الملائكة مع الله تعالى قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) لأنهم علموا ما فعل الجن سابقاً ثم لما أفسدت الجن في الأرض أمرهم الله تعالى بإخراجهم إلى جزائر البحور ولو فهمت الملائكة أن الله تعالى أراد أن يخلق آدم ويجعله خليفة له لما تساءلت كما ورد في الآية والملائكة أعلم بذات الله من حيث الطاعة والعبادة. ولا يمكن أصلاً أن يكون لله تعالى خليفة فالله تعالى ليس كمثله شيء، وأطرح سؤالاً مت يُعين خليفة؟ والجواب عندما يموت المخلوف ! الصدّيق أبو بكر رضي الله عنه عُيّن خليفة لرسول الله r بعد وفاة الرسول r، أما الله تعالى فحيّ لا يموت ولا يجب علينا التجرؤ على الله تعالى بمثل هذه الأقوال . ومقولة الناس آدم خليفة الله في الأرض كلام خطأ باطل مفترى وكأن الله تعالى يحتاج لخليفة في الأرض وآخر في السماء وآخر في الجبال وحاشاه سبحانه وتعالى عما يقولون. البشر فقط هم من يحتاج إلى خلائف والحاكم الواحد قد يحتاج لأكثر من خليفة أما الله تعالى فليس كمثله شيء ولا يمكن أن يكون له خليفة. وقد اعتمد ابن كثير في تفسيره على قول الله تعالى (وجعلناكم خلائف الأرض) في تفسير آية سورة البقرة (إني جاعل في الأرض خليفة).
ذكرنا سابقاً أربعة أوجه لبيان قدرة الله تعالى في الخلق هي خلق آدم u، خلق حواء، خلق عيسى u وخلق باقي البشر ومنهم الرسول r، ونبيّن الفرق بينهم.
خلق الله تعالى آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض وتفرّد آدم u أنه خُلق من تراب وماء ثم كان طيناً لازباً ثم حمأ مسنوناً ثم فخاراً ثم نفخ الله تعالى فيه من روحه فتحول الفخار إلى الجسد البشري وآدم u خُلق بدون ذكر أو أُنثى. ثم خُلقت حواء من ضلع آدم u أي من ذكر بلا أنثى ثم خلق الله تعالى بقية الخلق من البشر من ذكر وأنثى فبقي أن يخلق تعالى بشراً من أنثى بلا ذكر فخلق عيسى u لتثبيت قدرته على الخلق بجميع أنواعه. وهنا نأتي لمن توقفوا عند خلق عيسى ونقول لهم كما قال تعالى (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) فيا من توقفتم عند خلق عيسى وقلتم خلق بطريقة غريبة كان الأولى بكم أن تتوقفوا عند خلق آدم فعيسى على الأقل كان له أم تحمله أما آدم فخُلق من دون ذكر ولا أنثى والتوقف عند خلق عيسى كان لمجرد الكفر لأن كان يجب عليهم أن يقولوا سبحان الله إن الذي خلق آدم بهذه الطريقة قادر على خلق عيسى من أنثى بلا ذكر.
أما بنو آدم فلننظر في آيات القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول r يتضح لنا مراحل خلق بني آدم. جاء في حديث الرسول r: " إن خلق أحدنا في بطن أمه يكتمل في أربعين يوماً ثم يصبح مضغة مثل ذلك ثم علقة مثل ذلك ثم يأتيه ملك من قِبل الله فيسأل أربع أسئلة عن رزقه وعن أجله وعن عمله وشقي أم سعيد" وفي رواية البخاري ينفخ فيه الروح قبل الأسئلة، وفي رواية مسلم ينفخ فيه الروح بعد الأسئلة، ورواية أحمد والترمذي جمعت الروايتين.
والفيصل في مراحل خلق الإنسان ما جاء في أوائل سورة المؤمنون فقد أوقع تعالى خلق الإنسان توقيعاً بليغاً فقال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}) والآية تشير إلى خلق آدم (من سلالة من طين) وهو بداية الخلق ثم يأخذ من هذه البداية خلقاً آخر (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) وهذه طريقة خلق ذرية آدم u، وقد جاء في الآية في سورة الأعراف (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}) وهذا حدث في عالم الذرّ والذي فيه يتكلم الناس ويشهدون ويلبّون ويفعلون ما يأمرهم الله تعالى تنفيذاً لحكم الله ولعلم الله وقدرته. وهذه الآية هي حقيقة حصلت فعلاً وكل البشر من آدم u إلى الساعة شهدوا بوحدانية الله تعالى وحينمت أمر تعالى ابراهيم u بأن يؤذن في الناس بالحج أجاب ابراهيم وما يبلغ صوتي فقال تعالى عليك الأذان وعلينا الإبلاغ فصعد ابراهيم u فوق جبل أبي قبيس ونادى: يا بني آدم إن الله تعالى بنى بيتاً فحجّوه فأجابت كل الأرواح في عالم الغيب الأمين لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك فالذي أجاب هم كل من كتب الله تعالى له الحج أو العمرة. وفي موضوع الخلق آية سورة الأعراف دليل على أن الله تعالى أخذ من أصلاب الآباء الحيوانات المنوية التي ستصبح بشراً فيما بعد. ولماذا أشهدهم الله تعالى على أنفسهم في عالم الذر؟ أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، غير المسلم يأخذ باله وينتبه جيداً للتكنولوجيا وآخر المستجدات والأبحاث والإكتشافات العلمية ول يأخذ باله او يتفكر في بمن أوجد كل هذا الكون وخلقه من عدم بما يدلّ على وجود الخالق العظيم. وقد سُئلت امرأة على الفطرة هل جاءك الإسلام فقالت لا قالوا كيف عرفت أن الله واحد فأجابت البعرة تدل على البعير والخطى تدل على المسير كونٌ له بحار وأرض وجبال ألا يدل ذلك على وجود الحكيم الخبير؟. وابراهيم u لما خرج يتأمل في الكواكب يبحث عن الخالق لم يقتنع بأي من الكواكب أن تكون ربه لأنها كانت تأفل والآفل هو المتغير فقال ابراهيم في نفسه إن الذي يتغير له مُغيّر فالمغيّر هو الذي يستحق العبادة. وهو أولى بها. بقي ابراهيم u يبحث في المتغيرات إلى أن وصل إلى الذي يُغيّر ولا يتغيّر فقال (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلما) وابراهيم u كان من الذين اشهدهم الله تعالى على أنفسهم، فالفطرة السليمة تصل بالإنسان للتوحيد وآيات الخلق في سورة المؤمنون تدل على أن الفطرة السليمة تصل بالإنسان إلى الإله الحقّ.
شرّف الله تعالى آدم كما قلنا سابقاً إن خلقه بيده فكيف أعصاه؟ ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته ومن ضمن التشريف لآدم أن الشيطان لم يسجد له لأنه عاصي والتشريف الرابع أنه علّمه الأسماء كلها (علّم الإنسان ما لم يعلم) فلا يجوز للإنسان أن يقول اخترعت لكن يجب أن يقول اكتشفت لأن الإختراع أن تنشئ الشيء والمنشيء والواجد هو الله تعالى وأما البحوث فتصل بالإنسان إلى اكتشاف الأشياء.
أسئلة المشاهدين:
تحدثت في لقاء سابق عن توبة الملائكة فهل لك أن توضح لنا ماهية هذه التوية؟ الملائكة تابت توبة إنابة إلى الله تعالى عندما قالت في سورة البقرة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {32}) باعتبارهم قالوا بغاية الإستفسار (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فقال الله تعالى (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) والملائكة عندما تكلمت تكلمت في نفسها (أن الله تعالى مهما خلق من خلق فلن يكون أكرم منّا على الله) ثم تنبهوا وتابوا إلى الله توبة إنابة لا توبة عن معصية لكن توبتهم كانت عن مجرد استفسارهم وسؤالهم أصلاً لم يكن من باب الإعتراض وإنما من باب الإستفسار. والإستفهام لغة الغرض منه الإستفسار فعندما نسأل مثلاً أنجح الولد لا يكون استفهاماً بل تحققاً ويدل على أن الولد نجح لكن أتأكد فقط. والملائكة جُبلت على الطاعة ولم يكونوا يعترضون على الله تعالى لكن كما قلنا سؤالهم كان سؤال استفسار لأن الملائكة علمت أن الجنّ سبقت آدم في الأرض وأفسدوا وسفكوا الدماء فظنوا أن من يكون على الأرض يكون وظيفته الإفساد وسفك الدماء ولهذا سألت الملائكة والآية فيها كلام كثير ربما تعرضنا له في حلقات قادمة.
وسأل المشاهد عن الشيطان وكيف سُلّط على آدم حينما رآه مخلوقاً أجوفاً والله تعالى صمد. الشيطان سُلّط علينا من كل جانب (لئن سُلّطت عليه لأغوينه) ونسمع كلامه بدليل المعاصي التي يرتكبها الإنسان فهي إما أن تكون من هوى النفس أو من الشيطان. ويحذرنا الله تعالى من اتباع الشيطان في قوله (إن الشيطان كان لكم عدواً فاتخذوه عدوا) ونحن نسمع كلامه على مدار اليوم ونتبعه مع أن الشيطان ليس قوياً بدليل قوله تعالى (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).
ما الحكمة من خلق الشيطان؟ الشيطان بما له وما عليه من تركيبة عبادته أن يُغوي ابن آدم وعلى هذا الشيطان يؤدي وظيفته أحسن من البشر فقد قال لربه (وبعزتك لأغوينهم أجمعين) وهو يؤدي هذه الوظيفة أما نحن فلم نفعل ما أمرنا الله تعالى به وهو أن نحذر الشيطان ونجتنبه وعدم اتباعه. ولو فتشنا في القرآن كله نجد أن البشر إما أن يكونوا في معيّة الله تعالى أو في معيّة الشيطان . وخلق الشيطان ينطق بالحكمة التي من أجلها خُلق وهي غواية البشر (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {13} سورة السجدة) (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ {85}ص). فالإنسان عنده فرصة الطاعة أو المعصية واتباعنا للقرآن والرسول r والسنة النبوية يوصلنا إلى الجنة باذن الله ومن يتركهم يكون مصيره إلى النار والعياذ بالله. والشيطان يوسوس لكن لا يوجد مقابله ملك يقول لك لا تفعل وإنما مقابله قرآن كريم وحديث الرسول r فالعقيدة هي الأساس ونحن للأسف أسأنا فهم القرآن وفهم الرسول r وأسأنا طاعة الله تعالى وطاعة رسوله r فكان البديل ما نحن عليه.
سبق أن تحثت عن إعجاز عددي في بعض سور القرآن فهل لك أن تحدثنا عنها؟ سبق أن قلت في لقاء سابق أنه في سورة محمد الآية 13 (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ {13}) إشارة إلى 13 سنة قضاها الرسول r في مكة، وفي سورة التوبة (الجزء العاشر) إشارة إلى 10 سنوات قضاها الرسول r في المدينة. وفي نهاية الجزء 23 الآية (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ {30}الزمر) إشارة إلى موته r بعد ثلاث وعشرين سنة من الدعوة.
ما أهمية الإستبراء من البول بناء على ما جاء في الحديث الشريف عن الذين يعذبان وما يعذبان في كبير؟ كان أحدهما لا يسبرئ من بوله؟ البول نجس والنجاسة تُخرج الإنسان من معية الملائكة إلى معيّة الشيكان والله تعالى كرّم بني آدم. ومفاح الجنة أمرين الصيام والصلاة فالصيام يرقى بالناس إلى الملائكية والصلاة التي مقدمتها الوضوء تجعلك في معية الملائكة فإذا عاش الإنسان على وضوء فحياته كلها تكون في معيّة الملائكة وقد جاء في حديث الرسول r عن بلال رضي الله عنه أنه قال له إني لأسمع دف نعليك في الجنة فقال بلال رضي الله عنه ما أحدثت إلا توضأت وما توضأت إلا صليت ركعتين لله سنة وضوء. فالإنسان الواعي عليه أن يكون على وضوء دائماً حتى يبقى في معية الملائكة لأنها تبتعد وتتأذى من النجاسة. وفي حديث آخر للرسول r عن المحتضر بأن لا يدخل عليه لا جُنُب ولا حائض ولا نُفساء لأن الملائكة تتأذى من النجاسة. والذي يتبول عليه أن يستبرئ من البول ويتطهر بالماء ثم يتوضأ فيكون في معية الملائكة إن كانت هذه حاله دائماً.
شرح آية في سورة الأعراف 172 قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}) . هذه الآية تحكي قصة الخلق أن الله تعالى جبل بني آدم على الفطرة السليمة ونحن في عالم الذرّ بالفطرة السليمة وحّدنا الله تعالى حتى من جاء بغير الإسلام كلهم شهدوا بالوحدانية لله تعالى. في عام 1985 في مؤتمر طبي في القاهرة رأينا إن الحيوانات المنوية التي يمكن أن تُلقّح البويضة تطوف حول البويضة 7 مرات عكس عقارب الساعة حتى الإلكترونات تدور عكس عقارب الساعة 7 مرات وهذه العملية تماماً كاطواف حول الكعبة وهذا يدل على أن كل شيء سيُخلق يُعلن التوحيد قبل خلقه. فالمولى بعزته وجلاله أسلم له من في السموات والأرض (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ {83} آل عمران) فالمسلم وغير المسلم عندما يستيقظ صباحاً لا يمكن أن يعمل شيئاً لا يريده الله تعالى فهو مسلم كرهاً. وهذا يقودنا إلى سؤال آخر ويحتاج لحلقة بكاملها لتناوله وهي هل الإنسان مخير أو مسيّر. ونقول الآن باختصار أن الإنسان مخيّر في أمور العقيدة والعبادة والقضية يجب أن تدور في فلك علم الله تعالى وعلمه سابق أزلي، علِم الله أن سأكون في الجنة أو في النار وهذا لا يتناقض مع كوني أختار الإيمان وعكسه، ومنتهى علم الله شيء وكوني أختار شيء آخر وما أختاره أيضاً في علم الله وهذا ما أوجد لبساً عند الناس. وهناك من قال أن الإنسان مسيّر مطلقاً ومنهم من قال أنه مخيّر مطلقاً ومنهم من قال مسيّر في أمور ومخيّر في أمور أخرى.
ما تفسير الحديث الشريف (ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل النار حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)؟ هذا الحديث هو تتمة حديث الخلق الذي ذكرناه سابقاً. نحن لا نعلم قضاء المولى لي بالجنة أو بالنار لكن كفاني فخراً أن الله تعالى اختارني مسلماً وكوني مسلماً يحتم علي منطقياً أن انطلق في الطاعات والعبادات لا بالمعاصي لئلا أُقبض عليها. وفي حديث الرسول r تحذير شديد وتوجيه إلى المداومة على الطاعة وعدم الإقتراب من المعاصي مهما صغّرها الشيطان في النفس فقد تكون هذه النهاية. المسألة تعود إلى الله تعالى من عاش في الطاعات ثم قرر مثلاً أن يذوق الخمر ثم قُبض على ذلك فكأنه كفر بكل ما سبق من طاعات. والله تعالى يشتر العصاة ليعطيهم فرصة للعودة والطاعة وحتى لا يكونوا قدوة لغيرهم، فمن نعم الله علينا ستر المعاصي وكأننا بالله تعالى يجعلنا على الطاعة فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. فالسارق يستره الله تعالى حتى لا يراه غيره ويقتدي به.
كيفية الإستواء على العرش؟ الإستواء معلوم والكيف مجهول ونحن نقول سمعنا وأطعنا. هذه المسألة حيّرت الفلاسفة والعلماء والرسول r علّمنا أن لا نقول كيف وأين ولماذا؟ وقوله تعالى (وكان عرشه على الماء) استخدامه له حكمة وهي أزلية كل شيء بالنسبة لله تعالى.
هل صحيح أن موسى عليه السلام وآدم رفضا ملك الموت عندما جاء ليقبضهما؟ موت آدم وموسى يفيدنا أن الموت يُرعب الناس جميعاً لكن يجب أن يُحب الناس لقاء الله حتى يُحب الله لقاءهم ويجب أن يكونوا مستعدين للموت. وعندما خُلق آدم رأى داوود فقال من هذا؟ قال نبي من آخر الزمان قال كم عمره قال ستون عاماً قال رب اتممهم مئة فقال تعالى لا يمكن أن اكمله إلا من عمرك فأخذ من عمر آدم أربعين عاماً (وهذا اختبار) وعاش آدم r ألف عام إلا أربعين عاماً جاءه ملك الموت فقال من أنت قال ملك الموت قال ماذا تريد قال ألم تُعطي داوود أربعين عاماً من عمرك فقال لم يحصل فقال النبي r فجحد آدم وجحدت ذريته من بعده ونسي آدم ونسيت ذريته. والشاهد من هذه القصة أن تُعطي وعداً ولا تنفّذه. أما موسى u فقد فقأ عين ملك الموت (صكّه) وفي رواية فقأ عينه وقال لا أريد أن أموت وعاد ملك الموت إلى ربه فقال عد إليه فقال إن الله أمرك أن تضع يدك على جسم ثور وسيزيد في عمرك على قدر الشعرات التي يمسّها كفك فقال موسى ثم ماذا قال الموت فقال إذن الآن. والشاهد من هذه القصة أن الموت قادم لا محالة وعلى الإنسان الإستعداد له وقال الرسول r أكثروا من ذكر هادم اللذات (أي الموت) وقال أيضاً (من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه). ولما جاء ملك الموت للرسول r الذي فهم الموت وهو مؤمن بقضاء الله ويعرق قيمته عند ربه قال: "إن عبداً خيّره الله بين " فحزن أبو بكر وفهم كلام الرسول r بأن الأجل قد دنى. وكذلك موسى لا نقول أنه كره الموت لكن مهابة الموت في النفوس تجعلنا على هذا أما الرسول r فيعطي القدوة والمثل بالإستعداد للموت لأن المسلم مؤمن بالموت أنه آت لا محالة مصداقاً لقوله تعالى (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم).
بُثّت الحلقة بتاريخ 7/3/2004م
منقول من موقع اسلاميات
http://www.islamiyyat.com/
مواضيع مماثلة
» طريق الهداية - التوبة والاستغفار 90( حلقة اسئلة عن الفرق بين الخلق والكينونة )
» طريق الهداية - الحلقة 4 - كنه الموت
» طريق الهداية - الحلقة 7 - الاحتضار
» طريق الهداية - الحلقة 1 - الروح والنفس
» طريق الهداية - الحلقة 2 - الروح والنفس 2
» طريق الهداية - الحلقة 4 - كنه الموت
» طريق الهداية - الحلقة 7 - الاحتضار
» طريق الهداية - الحلقة 1 - الروح والنفس
» طريق الهداية - الحلقة 2 - الروح والنفس 2
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى